تنظيم المهن السيكولوجية: فهم الاختصاصات والتخصصات النفسية

 




تشهد الميادين النفسية اليوم تنوعا واسعا في المهن والممارسات، وهو ما يعكس غنى العلوم النفسية وتعدد مجالاتها، بدءا من الصحة النفسية والتربية وصولا إلى المجال الجنائي والرياضي والتنظيمي. غير أن هذا التنوع في التخصصات أدى إلى خلط كبير بين المهن السيكولوجية، حيث كثيرا ما يتم الخلط بين الأخصائي النفسي الإكلينيكي والمعالج النفسي أو المستشار النفسي، بل وحتى الأخصائي النفسي الاجتماعي أو النفسي المدرسي. هذا الخلط لا يقتصر على المجتمع العام فحسب، بل يمتد إلى المؤسسات التعليمية والصحية، ويؤدي إلى تداخل الأدوار وضعف فعالية الخدمات النفسية.


إن المهن السيكولوجية متنوعة، ولكل منها مهام محددة: فالمعالج النفسي يركز غالبا على تقديم الدعم العلاجي للأفراد، بينما يتخصص الأخصائي النفسي الإكلينيكي في تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية. أما الأخصائي النفسي التربوي فيعمل على تحسين الأداء التعليمي ودعم التعلم، بينما يختص المستشار النفسي بالإرشاد النفسي والتوجيه الأكاديمي أو المهني. وفي السياق الاجتماعي، يركز الأخصائي النفسي الاجتماعي على فهم السلوكيات الجماعية وتأثير البيئة على الفرد.


وبالمثل، لكل تخصص وظيفته الدقيقة: الأخصائي النفسي العصبي يدرس العلاقات بين الدماغ والسلوك، والأخصائي النفسي التنظيمي/الصناعي يساهم في تحسين الأداء والإنتاجية داخل المؤسسات، والأخصائي النفسي الأسري يعمل على دعم العلاقات الأسرية. كما يشمل المجال الرياضي، الشرعي، المدرسي، التنموي، والصحي اختصاصات دقيقة تهدف إلى تقديم خدمات متخصصة لكل فئة أو مجال.


ونظرا لهذا التعدد، يصبح من الضروري أن يكون لدى كل مختص فهم واضح لدوره ومهامه، وأن يتعاون مع غيره من التخصصات لضمان تقديم خدمات نفسية فعالة وعالية الجودة. إن الفصل بين التخصصات النفسية وفهم المسؤوليات الدقيقة لكل مهنة يساهم في تحسين جودة الرعاية النفسية، ويزيد من مصداقية الممارسين لدى المجتمع.


إن الخلط بين المهن السيكولوجية ليس مجرد لبس مصطلحي، بل يعكس الحاجة الملحة إلى توضيح المهام والمسؤوليات لكل اختصاص. فوجود فهم واضح لكل مهنة سيضمن حماية حقوق المستفيدين من الخدمات النفسية، ويمنح الممارسين قاعدة صلبة للعمل المهني، كما يعزز جودة وكفاءة الخدمات النفسية المقدمة في مختلف المجالات.


وإذا كان الخلط بين هذه الاختصاصات يطرح إشكالات مهنية وعلمية، فإن غياب إطار قانوني واضح ينظم المهن السيكولوجية يزيد من تفاقم الوضع، خاصة مع ازدياد الطلب على الخدمات النفسية في السنوات الأخيرة. فغياب التقنين يفتح المجال لممارسات عشوائية غير مؤطرة قد تعرض الأفراد لمخاطر نفسية حقيقية، كما يسمح بدخول فئات غير مؤهلة إلى مجالات حساسة تتطلب تكوينا أكاديميا دقيقا وكفاءات محددة. إن وضع قوانين واضحة تحدد شروط الممارسة، ومسارات التكوين، ومعايير الاعتماد، وآليات المراقبة، أصبح عاملا أساسيا لضمان جودة الخدمات وحماية المستفيدين وتعزيز احترام المهنة.



في الختام، إن تنوع المهن السيكولوجية وتعدد مجالاتها ينبغي أن يكون مصدر قوة للرعاية النفسية لا سببا للتشتت والغموض. ولتحقيق ذلك، بات من الضروري الانتقال من مجرد الاعتراف بتعدد الاختصاصات إلى إرساء إطار قانوني صارم وواضح ينظم الممارسة ويميز بين المهام والأدوار بشكل دقيق. إن تقنين المهن السيكولوجية لم يعد خيارا، بل ضرورة ملحة تفرضها حماية المجتمع، وصون كرامة المهنة، وضمان تقديم خدمات نفسية ذات جودة عالية تستجيب للمعايير العلمية والأخلاقية. ومع هذا التقنين، يمكن للمهن السيكولوجية أن تستمر في الازدهار وأن تقدم إسهامات فعالة تعزز الصحة النفسية والتنمية الفردية والمجتمعية.


18 نونبر 2025


Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)


👇

https://lematin.ma/societe/cadre-legal-pour-les-psychologues-bientot-au-maroc/310188/amp