منذ عقود، حاولت أطراف خارجية وأخرى انفصالية الترويج لما سمي بـ"حق تقرير المصير" في الصحراء المغربية، أملا في تقسيم المملكة المغربية الشريفة أو اقتطاع جزء من ترابها الوطني. لكن الزمن، والسياسة، والتاريخ، أثبتت أن هذا الحلم لم يكن سوى سراب في صحراء ثابتة الانتماء والهوية. فالمغرب اليوم، بعد عقود من الصبر والحكمة، استطاع أن يُسقط أوهام التقسيم ويرسخ واقعية الوحدة والسيادة على كامل ترابه الوطني.
أولا: الجذور التاريخية والشرعية السياسية
إن علاقة المغرب بصحرائه ليست وليدة اليوم، بل هي علاقة تمتد عبر قرون، حين كانت قبائل الصحراء تبايع ملوك المغرب وتربطهم روابط البيعة والولاء الديني والسياسي. فالصحراء لم تكن يوما كيانا مستقلا، بل كانت جزءا من الامتداد الطبيعي والجغرافي للمملكة المغربية.
وقد جاءت المسيرة الخضراء سنة 1975 لتجسد هذا الارتباط التاريخي في حدث وطني خالد، أعاد الأقاليم الجنوبية إلى حضن الوطن، وفتح مرحلة جديدة من البناء والتنمية.
ثانيا: التنمية أساس الوحدة
لم يكتف المغرب بالتمسك بالشرعية القانونية، بل جعل من التنمية وسيلته الأولى لترسيخ الانتماء. فالمشاريع الكبرى التي اطلقت في العيون والداخلة والسمارة لم تكن مجرد استثمارات، بل رسالة سياسية للعالم: أن الصحراء ليست منطقة نزاع، بل أرض أمل ونماء.
ومن أبرز هذه المشاريع:
الطريق السريع تيزنيت – الداخلة الذي يربط شمال المملكة بجنوبها.
الميناء الأطلسي بالداخلة الذي سيحول المدينة إلى قطب تجاري إفريقي.
مشاريع الطاقة المتجددة، والتعليم، والبنية التحتية الحديثة التي جعلت من الأقاليم الجنوبية نموذجا متقدما في التنمية.
هذه السياسات لم تقنع فقط المجتمع الدولي بجدية المغرب، بل جعلت سكان الأقاليم الجنوبية أنفسهم شركاء في التنمية ومتمسكين بمغربيتهم.
ثالثا: الدبلوماسية المغربية... من الدفاع إلى المبادرة
أدار المغرب ملف الصحراء بعقلانية سياسية ودبلوماسية رصينة، من خلال طرح مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي وصفت في الأمم المتحدة بأنها "جادة وذات مصداقية".
وقد حظي هذا المشروع بتأييد متزايد من دول العالم، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت رسميا سنة 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، إلى جانب دول اوروبية وعربية وإفريقية عديدة.
كما أن فتح أكثر من 30 قنصلية في مدينتي العيون والداخلة مثّل اعترافا فعليا بمغربية الصحراء، لا يمكن لأي دعاية انفصالية إنكاره.
رابعا: فشل مشروع التقسيم عبر التجارب الدولية
حين ننظر إلى تجارب الدول التي خاضت حروب الانفصال، ندرك الفرق الشاسع بين خيار الوحدة وخيار التجزئة.
أما في الحالة المغربية، فقد اختار المغرب طريق العقل والتنمية والدفاع عن وحدته الترابية بدل الصراع والنزاع.
لقد فهم العالم اليوم أن الوحدة ليست شعارا سياسيا، بل مشروع حضاري، وأن التنمية المستدامة هي الجواب الواقعي على دعاوى الانفصال.
خامسا: رؤية المستقبل
لا يتعامل المغرب مع الصحراء المغربية كملف نزاع، بل كمشروع وطني متكامل. فالأقاليم الجنوبية اليوم تشهد نهضة اقتصادية تجعلها جسرا بين المغرب وعمقه الإفريقي.
والمملكة تسير بخطى واثقة نحو تحويل الداخلة إلى قطب اقتصادي أطلسي إفريقي، يربط أوروبا بإفريقيا جنوب الصحراء، ويعزز دور المغرب كقوة استقرار وتنمية في المنطقة.
كما أن إشراك أبناء الصحراء المغربية في تدبير شؤونهم المحلية والجهوية يمثل ترجمة عملية لمفهوم الحكم الذاتي في الميدان.
في الختام، لقد انتهى حلم تقسيم الصحراء المغربية إلى غير رجعة، لأن التاريخ والواقع والسياسة اجتمعت في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل لتقول كلمة واحدة: المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فالوحدة الترابية ليست خيارا مؤقتا، بل قدر تاريخي ومصير وطني راسخ، اختارته الأمة المغربية بوعيها ودماء شهدائها وإيمانها العميق بأن الأرض التي حررها أجدادها ستبقى مغربية إلى الأبد.
منصة الفكر والمعرفة والسيكولوجيا
22 أكتوبر2025.