في خضم المساعي الرامية إلى الارتقاء بالتكوين الجامعي والبحث العلمي في بلادنا، يبرز مشروع ماستر التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي كمبادرة طموحة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل للموسم الجامعي 2025-2026. هذا المسلك، الذي يرتقب أن يشكل نقلة نوعية في مجال التكوين النفسي، يستحق الوقفة والتحليل، لأن فيه أبعادا أكاديمية ومهنية تعد واعدة.
أولا: السياق والرؤية
إن فكرة «ماستر التميز» ليست بغية مجردة أو تجريبية، بل هي امتداد طبيعي للإصلاح الجامعي الوطني، الذي يسعى إلى تأسيس مسارات تكوينية متخصصة ومتكاملة تلبي حاجات المجتمع البحثية والعملية. كما ذكر في بعض المصادر، فإن مراكز التميز تعد بنيات نخبوية داخل الجامعات، تهدف إلى تكوين أطر عالية الكفاءة من خلال مسار متكامل (إجازة تميز– ماستر تميز– دكتوراه تميز) ضمن نفس المركز، مع ضمان استمرارية التكوين بشروط الجودة.
من هذا المنطلق، ينتظر أن يسهم ماستر التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي في تحقيق أهداف متعددة:
ترسيخ صلة الوصل بين التأطير الأكاديمي والواقع المهني في مجال الصحة النفسية؛
تمكين الطلبة الباحثين من اختراق عوالم التخصص الدقيق في التشخيص والعلاج النفسي؛
دعم البحث العلمي في القضايا النفسية السريرية والمرضية؛
تعزيز قدرة الكلية على استقطاب الكفاءات وجعل اسمها مرجعا في المجال النفسي.
ثانيا: مكونات التكوين المتوقعة
على الرغم من أن المشروع لا يزال في طور الإنجاز (بحسب إفادات المصادر المعنية)، إلا أن المعطيات المتوفرة تسمح برسم صورة تقريبية عن الملامح المتوقعة:
المقررات النظرية: يتوقع أن يغطي المنهاج موضوعات مثل التشخيص النفسي الإكلينيكي، علم النفس المرضي، طرق العلاجات النفسية (ضغط، سلوكي، تحليل نفسي، إلخ)، والعلاجات في السياقات المختلفة، علم النفس العصبي والاختبارات النفسية المتخصصة.
التطبيق والممارسة: من الضروري أن يتضمّن المسلك تدريبات ميدانية في مؤسسات صحية أو مراكز متخصصة، إضافة إلى ورش تطبيقية تعزز الربط بين النظرية والتطبيق.
البحث العلمي: يتوقع أن يدمج التكوين بمتطلب إعداد مشروع بحث أو أطروحة ماستر تعالج قضايا علمية معاصرة في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، مما ينمي عقل الطالب البحثي ويساهم في الإنتاج العلمي.
المعايير الانتقائية: بالنظر إلى طبيعة التميز، قد تطبق شروط انتقاء صارمة لولوجه، من قبيل نتائج عالية في الإجازة، ورسالة دافع مهنية، أو امتحانات تقييمية، لكن في بعض نماذج مراكز التميز توفر الاستمرارية للطلبة الناجحين بدون اختبارات إضافية ضمن نفس المركز شرط استيفائهم لمعايير النجاح.
ثالثا: التحديات والفرص
التحديات المحتملة:
1. إتمام المراحل الإجرائية: المشروع لا يزال في طور الإنجاز، ويحتاج إلى صقل التعديلات وتقديمه رسميا إلى الجهات المختصة لإعطاء الانطلاقة الإدارية الفعلية.
2. توفير البنية التحتية: المختبرات، العيادات النفسية، المراكز التطبيقية، والكادر التأطيري المتخصص كلها عناصر قد تشكل تحديا لبدء التطبيق.
3. ضمان الجودة والاستمرارية: لا بد من مراجعة دورية للمحتوى، والتأكد من تطابقه مع المعايير الأكاديمية الوطنية والدولية.
4. التواصل مع الجهات المهنية: إرساء شراكات مع المستشفيات، المراكز النفسية، الجمعيات المختصة وغيرها لتسهيل التدريب العملي وربط الخريجين بسوق العمل.
الفرص الواعدة:
رفع مستوى الكلية والجامعة في مجال التكوين النفسي، وجذب الطلبة المهتمين بالتخصص.
إحداث ثغرات بحثية تستثمر في التسلسل إلى الدكتوراه، وتعزيز الإنتاج العلمي.
خدمة المجتمع من خلال تخريج أخصائيين قادرين على التعامل مع الاضطرابات النفسية بمهنية وجودة.
فتح آفاق التعاون مع مؤسسات الصحة النفسية، الجمعيات، والقطاعين العام والخاص.
في الختام، إن مشروع ماستر التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي بموسم 2025-2026 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، إذا ما تم تدشينه بالشكل الأمثل، يمكن أن يكون رافعة حقيقية لمسار التكوين النفسي في المغرب. إنه مشروع يحمل في طياته آمال الطلبة الباحثين عن التخصص العميق، ويضع على عاتق الهيئة الأكاديمية مسؤولية كبيرة في أن يخرج إلى النور معايير التميز والجودة.