تعد مهنة الأخصائي الإكلينيكي من المهن الأساسية في مجال الصحة النفسية، لما تقوم به من أدوار مهمة في تقييم الحالات النفسية، ودعم الأفراد، والمساهمة في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي. ومع ازدياد الحاجة إلى خدمات نفسية متخصصة داخل المؤسسات الصحية، والمدارس، والجامعات، ومراكز الدعم الاجتماعي، أصبحت مسألة تقنين هذه المهنة ضرورة لضمان جودة الخدمات وحماية المستفيدين.
ويستند التقنين إلى وضع إطار قانوني ومهني وأخلاقي ينظم شروط التكوين والممارسة، ويوحد المعايير المهنية، ويمنع الممارسات غير المؤطرة علميا. يهدف هذا المقال إلى تقديم مجموعة من السبل الممكنة لتقنين مهنة الأخصائي الإكلينيكي وفق منظور علمي ومهني، وبدون الخوض في أي تقييم أو انتقاد لجهة معينة.
1. وضع إطار قانوني وطني واضح لمزاولة المهنة
يمثل وجود قانون منظم للمهنة أساسا لضمان الممارسة السليمة. ويمكن أن يشمل هذا الإطار تحديد المؤهلات الأكاديمية المطلوبة، مثل إجازة التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي أو شهادة الماستر أو الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي، مع التأكيد على ضرورة التدريب الميداني تحت إشراف متخصصين مؤهلين. ويساعد هذا الإطار القانوني في توضيح الصلاحيات المهنية وحدود التدخل، بما يحمي الطرفين: الأخصائي والمستفيد.
2. اعتماد نظام الترخيص المهني
يسهم الترخيص المهني في ضمان الكفاءة العلمية والمهنية للممارسين. ويمكن اعتماد امتحان وطني، أو تقييم مهني مبني على الخبرة وساعات التدريب، مع تجديد الترخيص بشكل دوري بناء على التكوين المستمر. ويشكل هذا النظام وسيلة فعالة لتوحيد مستوى الممارسة عبر مختلف المؤسسات.
3. إنشاء هيئة وطنية للأخصائيين النفسيين
يساعد وجود هيئة مهنية مستقلة على تأطير العمل الإكلينيكي، من خلال تسجيل الأخصائيين، ووضع مدونة أخلاقيات، ومتابعة الالتزام بالمعايير المهنية. كما تلعب الهيئة دورا في دراسة الشكايات، وتوجيه المهنيين، والرفع من جودة الخدمات بطريقة مسؤولة ومنظمة، دون استهداف أي جهة.
4. تطوير برامج التكوين الجامعي
يشكل التكوين الجامعي أساسا لإعداد الأخصائي الإكلينيكي. ويمكن دعم هذا التكوين عبر تعزيز الجانب التطبيقي داخل المراكز الصحية والنفسية، وتحديث المناهج وفق المستجدات العلمية، وتطوير مسارات التميز مثل إجازة التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي. كما يسهم التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصحية في الرفع من مستوى التدريب.
5. إدماج الأخصائي الإكلينيكي داخل المنظومة الصحية
يساعد إدماج الأخصائي في المنظومة الصحية سواء في المستشفيات أو المراكز المتخصصة على ضمان تقديم خدمات نفسية مهنية، مع تحديد أدواره بدقة في التقييم والدعم والمتابعة. ويسهم هذا الإدماج في تعزيز الصحة النفسية داخل المجتمع ضمن رؤية تكاملية تحفظ مصالح جميع الأطراف.
6. اعتماد مدونة أخلاقيات مهنية
تعد مدونة الأخلاقيات إطارا أساسيا يحدد المبادئ التي تحكم العلاقة العلاجية النفسية، مثل احترام السرية، والحياد، واحترام خصوصية المستفيد، والاعتماد على أساليب علاجية مبنية على الأدلة العلمية. وتساعد هذه المدونة في تعزيز الثقة والاستقرار داخل الممارسة المهنية.
7. التكوين المستمر وتحديث المعارف
تتطور العلوم النفسية باستمرار، مما يجعل التكوين المستمر ضرورة ملحة. ويمكن أن يشمل هذا التكوين مقاربات علاجية حديثة، وتقنيات التقييم النفسي، والعمل مع فئات متعددة. ويسهم التكوين المستمر في تطوير أداء الأخصائيين وضمان جودة الخدمات.
8. تعزيز الوعي ومحاربة الممارسات غير العلمية
يساعد نشر الوعي المجتمعي بالمهنة على الحد من الممارسات غير المؤطرة علميا. ويمكن تحقيق ذلك عبر حملات توجيهية، وتوضيح أدوار الأخصائي الإكلينيكي، وتشجيع الاستعانة بخدمات مؤطرة علميا، بعيدا عن أي إشارة أو انتقاد مباشر لأي نشاط آخر.
9. وضع نظام للمراقبة وتلقي الشكايات
وجود آلية واضحة ومسؤولة لتلقي الملاحظات والشكايات يساعد على حفظ حقوق المستفيدين والأخصائيين. ويمكن للهيئات المهنية أو المؤسسات المختصة أن تتولى دراسة هذه الحالات بطريقة موضوعية تراعي القوانين المهنية.
في الختام، إن تقنين مهنة الأخصائي الإكلينيكي خطوة ضرورية للارتقاء بالصحة النفسية داخل المجتمعات العربية والمغاربية، ولتعزيز الثقة في الممارسات المهنية. ويتطلب هذا التقنين تعاونا بين الجامعات، والمؤسسات الصحية، والهيئات المهنية، بما يضمن إطارا قانونيا وأخلاقيا وتنظيميا يساهم في تطوير القطاع. ويظل الهدف الأساسي هو حماية المستفيدين ودعم الأخصائيين، وتوفير خدمات نفسية ذات جودة عالية، تواكب التطورات العلمية العالمية وتستجيب لاحتياجات المجتمع.
تنويه:
هذا المقال ذو طابع أكاديمي عام، يهدف فقط إلى الإسهام في النقاش العلمي، ولا يعتبر توصية قانونية أو تشريعية ملزمة.
1 ديسمبر 2025
