الفوضى في غياب الإطار القانوني لمهنة العلاج النفسي: بين الحاجة إلى التنظيم وتحديات الواقع

 



يشهد مجال الصحة النفسية في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا وإقبالا ملحوظا على خدمات الدعم والعلاج النفسي، نتيجة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والتحولات السريعة في نمط الحياة. هذا الطلب المتنامي يعكس وعيا أكبر بأهمية الصحة النفسية، لكنه في المقابل يطرح إشكاليات مقلقة تتعلق بغياب إطار قانوني واضح ينظم المهنة ويحدد شروط ممارستها.



في ظل هذا الفراغ التنظيمي، تظهر ممارسات غير محكومة بقواعد مهنية دقيقة، إذ يقدم بعض الأفراد أنفسهم في منصات مختلفة كـ"مدربين" أو "مستشارين" أو "معالجين"، دون توفر معايير واضحة للتحقق من التكوين العلمي أو الإشراف المهني أو الترخيص. وهو ما يؤدي أحيانا إلى خلط كبير لدى الجمهور بين المختص المؤهل وبين من يقدم خدمات استشارية أو توجيهية عامة.


الحاجة إلى تنظيم مهني محكم


العلاج النفسي مهنة دقيقة تتطلب تكوينا أكاديميا معمقا، وتدريبا ميدانيا تحت إشراف متخصصين، إلى جانب احترام أخلاقيات المهنة وضوابطها. ومع غياب إطار قانوني يحدد شروط ولوج هذه المهنة، تصبح إمكانية حدوث ممارسات غير منضبطة واردة، ما يخلق ارتباكا لدى طالبي الخدمات النفسية، ويعرض بعضهم لتجارب قد لا تتناسب مع حاجاتهم العلاجية الحقيقية.


إن تنظيم هذا المجال لا يعني إقصاء أي فاعل، بل يهدف إلى حماية المهنة والمواطن على حد سواء؛ عبر تحديد المؤهلات المطلوبة، وآليات الترخيص، وأنظمة المراقبة، بما يضمن جودة الخدمات ويعزز الثقة في الممارسات العلاجية.


المواطن بين الحاجة إلى الدعم وخطر الارتباك


يبحث العديد من الأفراد عن الدعم النفسي في لحظات حساسة من حياتهم، وقد لا يمتلكون القدرة على التمييز بين المختص الأكاديمي وبين من يقدم خدمات عامة في مجالات التنمية الذاتية أو التوجيه النفسي. هذا الخلط لا يحمل مسؤولية لشخص بعينه، بل يعكس حالة عامة ناتجة عن غياب إطار قانوني يسهم في توضيح الأدوار، وتمييز الاختصاصات، وتوجيه المواطن نحو المسار المهني السليم.


كما أن غياب التنظيم لا يخدم فئة المهنيين الحاصلين على تكوين أكاديمي متخصص، إذ يضعهم أمام منافسة غير متكافئة، ويؤثر في صورة المهنة داخل المجتمع. لذلك، فإن وضع ضوابط قانونية يعد خطوة أساسية لحماية سمعة المجال وتعزيز ثقة الجمهور.


نحو رؤية تنظيمية تحمي الأفراد وتطور المهنة


أصبح من الضروري اعتماد قانون وطني ينظم مهنة العلاج النفسي، يحدد شروط ولوجها، ويؤطر مزاولة المهنة، ويضع آليات واضحة للمراقبة والتكوين المستمر. كما أن توفير خدمات علاجية رسمية وذات جودة وبأسعار مناسبة سيساعد في الحد من لجوء الأفراد إلى خيارات غير مضمونة.


إلى جانب ذلك، يمكن لحملات التوعية أن تلعب دورا أساسيا في تثقيف المجتمع حول الفرق بين العلاج النفسي المؤطر علميا، وبين الخدمات الاستشارية العامة، حتى يتمكن المواطن من اتخاذ قرارات مدروسة وآمنة.


في الختام، إن النقاش حول غياب إطار قانوني لمهنة العلاج النفسي ليس موجها ضد أي جهة أو فرد، بل هو دعوة لإرساء تنظيم مهني يعزز جودة الخدمات ويضمن سلامة المواطن ويحافظ على مكانة المهنة داخل المجتمع. فالصحة النفسية ركيزة أساسية للتوازن الاجتماعي، ولا يمكن تركها في مساحة رمادية غير منظمة. إن اعتماد إطار قانوني واضح سيتيح ممارسة مهنية مسؤولة، ويمنح لكل فاعل في المجال موقعه الطبيعي، ويضمن للمواطن الحق في خدمات آمنة وذات جودة عالية.


المصطفى توفيق

رئيس الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال

وطالب باحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي


Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)


👇