تشهد الممارسة السيكولوجية في المغرب، كما في العديد من الدول، توسعا مضطردا بفعل تزايد الوعي المجتمعي بأهمية الصحة النفسية، وارتفاع الطلب على خدمات الأخصائيين النفسيين داخل المؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية. غير أن هذا التطور يقابله نقص واضح في الإطار التشريعي والقانوني المنظم للمهنة، مما يطرح سؤالا مركزيا: كيف يمكن حماية المهنة من التشويه والممارسات غير المؤهلة، وفي الوقت نفسه حماية المستفيد من الأخطاء والتجاوزات، دون إطار قانوني واضح؟
غياب التقنين… معضلة متعددة الأبعاد
إن غياب أو قصور قوانين واضحة تؤطر مهنة الأخصائي النفسي يخلق فراغا تنظيميا خطيرا تتولد عنه عدة إشكالات، أبرزها:
عدم تحديد شروط الولوج للمهنة بوضوح.
غياب معايير موحدة للتكوين والممارسة.
ظهور ممارسات غير مؤهلة أو غير خاضعة للمراقبة.
صعوبة مساءلة المتسببين في الأخطاء المهنية.
تداخل الاختصاصات بين مهن الصحة النفسية الأخرى.
هذا الوضع يؤدي إلى تضارب في الممارسات، وإلى ضياع الثقة لدى بعض المستفيدين، الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على التمييز بين المختص الحقيقي والممارس الذي يفتقر للتأهيل العلمي.
حماية المهنة… شرط أساسي لمصداقية المجال
تحتاج مهنة الأخصائي النفسي إلى حماية قانونية تضمن لها الشرعية والمصداقية. ويتمثل ذلك في:
1. تقنين شروط التكوين والاعتماد:
تحديد دقيق للشهادات الجامعية المطلوبة، ومسطرة الترخيص لمزاولة المهنة.
2. إحداث سجل مهني وطني:
يمكن من مراقبة الممارسين وضمان نزاهة المسار الأكاديمي والمهني.
3. وضع مدونة أخلاقيات:
تشمل مبادئ السرية، احترام الكرامة الإنسانية، تجنب الضرر، وحدود التدخل السيكولوجي.
4. تقوية التكوين المستمر:
وتحديث المعارف المهنية بما يتماشى مع تطورات العلوم النفسية.
بدون هذا الإطار، تبقى المهنة عرضة للتدخل العشوائي، والتشويه، وفقدان المصداقية.
حماية المستفيد… أولوية لا تقبل التأجيل
في المقابل، لا يمكن تطوير الصحة النفسية دون حماية مباشرة وواضحة للمواطن المستفيد، وذلك عبر:
ضمان حصوله على خدمات سيكولوجية آمنة ومؤطرة علمياً.
وضع آليات لتلقي الشكايات ومتابعة الخروقات بشكل مؤسساتي.
منع الادعاءات العلاجية غير المبنية على أسس علمية.
فرض احترام السرية والمعايير الأخلاقية.
ضمان توفير خدمات نفسية ذات جودة داخل المؤسسات العمومية والخاصة.
إن حماية المستفيد لا تقل أهمية عن حماية المهنة، بل إن كل منهما يحمي الآخر.
كيف نحقق التوازن؟
ورغم غياب تشريع كامل، يمكن تحقيق توازن نسبي وفعال عبر ثلاث مقاربات أساسية:
1. مقاربة تنظيمية مؤقتة داخل المؤسسات
يمكن للوزارات والجامعات والمراكز الصحية اعتماد مذكرات تنظيمية مؤقتة تحدد الأدوار والاختصاصات، إلى حين صدور قانون شامل.
2. دور الهيئات المهنية والجمعيات العلمية
للهيئات المهنية قدرة على:
صياغة دلائل ممارسة.
تقديم توصيات رسمية.
وضع مدونات أخلاقية.
الدفاع عن التقنين.
3. إشراك المجتمع المدني والإعلام
ويلعب المجتمع المدني والإعلام دورا في:
التوعية بخطورة الممارسات غير المؤهلة.
الدفاع عن حق المواطن في خدمات نفسية آمنة.
الضغط الإيجابي من أجل إصدار قانون ينظم المهنة.
في الختام، إن تحقيق التوازن بين حماية المهنة وحماية المستفيد ليس أمرا مستحيلا، حتى في ظل قصور تشريعي. لكنه يظل رهينا بتظافر الجهود بين الفاعلين: الدولة، الجامعات، المهنيين، الجمعيات، والإعلام.
ومع ذلك، يبقى الحل النهائي والمستدام هو إصدار قانون شامل ينظم المهن السيكولوجية، ويضمن إطارا واضحا وشفافا للممارسة. فبدون هذا التشريع، ستظل المهنة والمواطن معا في منطقة رمادية لا تخدم تطور الصحة النفسية في المغرب.
Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)
