ماستر التميز: رؤية جديدة لربط التكوين بالبحث والابتكار داخل مراكز التميز

 


يشهد التعليم العالي بالمغرب خلال السنوات الأخيرة حركية إصلاحية نوعية تهدف إلى تعزيز جودة التكوين وربط الجامعة بمنظومة البحث العلمي ومتطلبات المجتمع وسوق الشغل. وفي صلب هذه الإصلاحات ظهر نموذج "ماستر التميّز" كأحد أهم المستجدات البيداغوجية التي تهدف إلى دعم التفوق الأكاديمي وبناء مسارات تكوينية ذات جودة عالية داخل مؤسسات جامعية متخصصة تعرف بـ مراكز التميز.

وقد جاء هذا التوجه الجديد اعتمادا على مقتضيات دفتر الضوابط البيداغوجية الوطني لسلك الماستر، ولاسيما النص التنظيمي رقم د ن 4 د، الذي حدد الإطار القانوني لولوج الطلبة الحاصلين على إجازة داخل مراكز التميز إلى هذا السلك المتقدم. وينص المقتضى بوضوح على ما يلي: "الطلبة الحاصلون على إجازة في إطار المراكز المحدثة طبقا للقانون 01.00، والمسماة بمراكز التميز، يلجون بصفة تلقائية إلى سلك الماستر الذي يحتضنه نفس المركز."


هذا المقتضى القانوني لا يعكس مجرد تبسيط للإجراءات، بل يؤسس لرؤية أكاديمية جديدة تقوم على استمرارية التكوين داخل فضاءات ذات جودة عالية، وتطمح إلى تكوين أجيال من الطلبة القادرين على الاندماج في البحث العلمي والإسهام في الابتكار.



1. مراكز التميز: بنية جامعية جديدة لخدمة الابتكار


تعد مراكز التميز إحدى أهم اللبنات الإصلاحية الهادفة إلى هيكلة العرض البيداغوجي وفق أسس جديدة تعتمد الانتقائية والجودة والاستجابة لحاجيات التنمية الوطنية. وتتميز هذه المراكز بكونها:


تقدم تكوينات عالية الجودة مبنية على معايير دقيقة للانتقاء.

توفر بنيات بحثية متقدمة تضم مختبرات وتجهيزات حديثة.

تعتمد تأطيرا أكاديميا متخصصا يواكب التطورات العلمية.

تنفتح على الشراكات الاقتصادية والمهنية لضمان تكوين منسجم مع متطلبات الواقع.


وبهذا تصبح مراكز التميز فضاء لاستقطاب الطلبة المتفوقين، وبيئة خصبة لتعزيز قيم الاجتهاد والإبداع.


2. الولوج التلقائي إلى ماستر التميز: عدالة بيداغوجية واستمرارية في المسار


يعد الولوج التلقائي لخريجي الإجازة داخل مراكز التميز إلى ماستر التميز تحولا مهما في مسار التكوين الجامعي. وتكمن أهميته في:


أ. توحيد المسار داخل نفس المركز


التكوين في هذه المراكز يقوم على منظومة تكاملية تبنى تدريجيا من الإجازة نحو الماستر، وقد تستمر إلى الدكتوراه، ما يحقق:


تناسقا بيداغوجيا بين المستويات،

تنمية مهارات متراكمة،

وتكوينا معمقا للطلبة.


ب. دعم الطلبة المتفوقين


الإعفاء من مباريات الانتقاء يشكل اعترافا بمجهودات الطلبة طيلة سنوات الإجازة داخل المركز، ويمنحهم الحق في متابعة دراستهم بسلاسة داخل بيئة متميزة.


ج. تعزيز البحث العلمي


استمرار الطالب داخل المركز نفسه يتيح له:

الاندماج في مشاريع بحثية طويلة المدى،

المشاركة في فرق البحث،

تطوير مهارات المنهجية والإبداع العلمي.


3. ماستر التميز: تكوين عالي الجودة موجه لحاجيات الوطن


يأتي اعتماد ماستر التميز في سياق وطني يسعى إلى:


الارتقاء بجودة التعليم العالي،

خلق كفاءات قادرة على الابتكار،

تعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة،

وتكوين نخب علمية مؤهلة للمساهمة في التنمية.


وتتميز ماسترات التميز بكونها:


قائمة على مضامين حديثة ومتجددة،

مبنية على مشاريع بيداغوجية واضحة،

تعتمد على تقويم مستمر للمهارات،

وتنفتح على سوق الشغل من خلال شراكات مؤسساتية ومهنية.


4. تحديات تطبيق نموذج ماستر التميز


رغم أهمية هذا النموذج، إلا أنه يواجه عددا من التحديات، أهمها:


توفير موارد بشرية مؤهلة لتأطير الطلبة،

توفير تجهيزات بحثية متطورة،

ضبط مساطر الانتقاء داخل الإجازة،

توسيع الشراكات المهنية والعلمية،

وتطوير بنية جامعية مرنة قادرة على استيعاب متطلبات هذا التكوين المتقدّم.

هذه التحديات تتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى لضمان نجاح هذا النموذج واستدامته.



في الختام، إن "ماستر التميز" ليس وليد صدفة، بل هو ثمرة مسار إصلاحي يستهدف بناء منظومة جامعية متكاملة تقوم على الجودة والتميز والابتكار. ويعد المقتضى القانوني الذي يتيح للطلبة الولوج التلقائي إلى هذا السلك تجسيدا لرغبة الدولة في دعم التفوق وتشجيع البحث العلمي داخل مراكز التميز. وبهذا يفتح ماستر التميز آفاقا واسعة أمام الطلبة المتفوقين، ويوجه الجامعة المغربية نحو نهج أكاديمي أكثر تنافسية ومواكبة للتحولات العلمية والمعرفية التي يشهدها العالم اليوم.


المصطفى توفيق

15 نونبر 2025