في عالم المعلومات الرقمية السريعة، لا يمكن النظر إلى انتشار الأخبار الزائفة على أنه مجرد خلل إعلامي، بل هو أيضا ظاهرة نفسية واجتماعية تستحق التوقف عندها. فالعقل البشري يتفاعل مع الأخبار وفق آليات نفسية دقيقة، تؤثر على طريقة استقبال المعلومة، وتقييمها، وتمريرها للآخرين.
التأثير العاطفي والاندفاع المعرفي
غالبا ما تكون الأخبار الزائفة مشحونة بالعاطفة: إثارة، صدمة، خوف، أو غضب. هذه الانفعالات تحفز مناطق معينة في الدماغ، مثل اللوزة الدماغية، وتدفع الفرد إلى التفاعل السريع والمشاركة دون تفكير نقدي. في المقابل، تميل الأخبار الدقيقة إلى البرود التحليلي، مما يجعلها أقل إثارة للانتباه الفوري، رغم أنها أكثر فائدة معرفيا.
الانحياز التأكيدي
يميل الأفراد إلى تصديق المعلومات التي تؤكد ما يعتقدونه مسبقا، حتى وإن كانت غير دقيقة. الأخبار الزائفة تستغل هذا الانحياز النفسي لتغذية القناعات الشخصية، وتمنح شعورا زائفا باليقين. من هنا نفهم لماذا يتجاهل البعض الأخبار الموثوقة إذا خالفت معتقداتهم.
الإشباع الفوري مقابل التفكير النقدي
تنتشر الأخبار الزائفة لأنها تقدم إجابات سهلة وسريعة لمواضيع معقدة، ما يحقق إشباعا ذهنيا فوريا. أما الأخبار الدقيقة، فتتطلب جهدا معرفيا لفهم السياق والحقائق. وهذا يتعارض مع ما يسميه علم النفس السلوكي "اقتصاد الجهد المعرفي"، حيث يفضل الدماغ اختصار الطريق كلما أمكن.
الضغط الجماعي والدينامية الاجتماعية
البيئة الرقمية تخلق ديناميكيات جماعية تؤثر على قرارات الأفراد. عندما يرى المستخدم أن عددا كبيرا من الناس شارك خبرا معينا، يشعر بضغط ضمني لتصديقه أو مشاركته. هذا يسمى بـ"الامتثال الاجتماعي"، وهو سلوك نفسي معروف يضعف من التفكير النقدي الفردي.
الإعلام والمسؤولية النفسية
الصحافة ليست فقط ناقلا للمعلومة، بل هي أيضا محفز للسلوك الاجتماعي والذهني. عندما تنشر جريدة إلكترونية خبرا زائفا، فإنها تؤثر في البناء المعرفي للفرد، وتضعف قدرته على التمييز بين الحقيقة والادعاء. من هنا، تصبح المهنية الإعلامية مسؤولية نفسية جماعية، وليست فقط أخلاقية.
خلاصة التحليل
من منظور علم النفس، يمكن فهم انتشار الأخبار الزائفة باعتباره نتيجة لتفاعل معقد بين العاطفة، والانحيازات المعرفية، وضغط الجماعة، وضعف التفكير النقدي. ولذلك، فإن مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على تصحيح المعلومة، بل تتطلب تربية نفسية معرفية تبني لدى الأفراد مهارات التفكير النقدي، والوعي الذاتي، والقدرة على التأني في الحكم.