قصة قصيرة بقلم مصطفى توفيق: الحرية من الداخل

 




 في مدينة الرباط، عاش رجل يدعى عبد العزيز، اشتهر بتصرفاته المفرطة و أفكاره القهرية. كان يعمل كمحاسب في إحدى الشركات، ووظيفته التي تتطلب الدقة والانضباط كانت تتناسب تماما مع طبيعته. 


كل صباح، كان يستيقظ في نفس الوقت، يشرب كوبا من القهوة التي يعدها بدقة، ويخرج من منزله الجميل بعد التأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح.في العمل، كان عبد العزيز يتبع روتينا صارما. كان يتأكد من أن كل ورقة موضوعة بدقة على مكتبه، وكل قلم في مكانه المخصص. كان يعيد حساب الأرقام مرارا وتكرارا، لا يترك مجالا للخطأ أو الانتقادات. 


زملاؤه في العمل اعتادوا على سلوكياته الغريبة و تصرفاته القهرية التي لا يستطيع مقاومتها، وكانوا يقدرون كفاءته العالية، رغم أن البعض كان يجد سلوكياته مزعجة بعض الشيء.


في إحدى الأيام، تم تكليف عبد العزيز  بمهمة تتطلب منه الخروج من مكتبه وزيارة أحد العملاء. كانت هذه المهمة تحديا كبيرا له، حيث كان عليه الخروج من منطقة راحته المعتادة.


عندما وصل إلى منزل العميل نورالدين، لاحظ أن هناك شيئا غير مرتب في المدخل. دون تفكير، بدأ عبد العزيز بإعادة ترتيب الأشياء، غير قادر على مقاومة رغبته القهرية في التنظيم و إعادة الترتيب.


العميل نورالدين، وهو رجل مسن، لاحظ سلوك و تصرفات عبد العزيز المفرطة وسأله بلطف عن سبب ذلك. شرح عبد العزيز وضعه، متحدثا عن صراعه اليومي مع أفكاره القهرية التي لايستطيع التخلص منها، و كان في غالب الأحيان يستخدم ميكانيزمات الدفاع لتبرير تصرفاته.


استمع الرجل المسن باهتمام، ثم قال: "أعلم أن الحياة قد تكون صعبة عندما تشعر بأنك مجبر على القيام بأشياء معينة. لكن تذكر، أن لديك قوة هائلة في داخلك للتغلب على هذا. 
إذا استطعت التحكم في هذه الرغبات، ستجد حرية لم تعرفها من قبل

"كلمات الرجل أثرت في عبد العزيز بشدة. بدأ في التفكير بجدية حول كيفية التغلب على أفكاره القهرية. بدأ بزيارة معالج نفسي وشارك في جلسات العلاج السلوكي. تدريجيا، بدأ عبد العزيز يشعر بتحسن، وبدأ يجد طرقا جديدة للتعامل مع ضغوطه.


بعد عدة أشهر، عاد عبد العزيز إلى عمله بنفس الكفاءة، ولكن بنظرة جديدة على الحياة. لم يعد سلوكه القهري يتحكم به، بل أصبح هو المتحكم في حياته. تعلم عبد العزيز أن الحرية الحقيقية تأتي من الداخل، وأن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على التغلب على النفس.


********


في هذه القصة القصيرة، كان عبد العزيز يعاني من أفكار قهرية تسيطر على حياته ، غالبا ما يدرك أن تصرفاته قهرية وغير منطقية. ومع ذلك، لديه صعوبة كبيرة في السيطرة على هذه التصرفات أو التوقف عنها. هذه التصرفات تكون عادة نتيجة لأفكار أو وساوس مزعجة ومتكررة يشعر بأنها تفرض عليه القيام بتصرفات معينة لتخفيف القلق الناتج عن تلك الأفكار.


كان عبد العزيز يرتب أوراقه بشكل مفرط، و يشعر بحاجة ملحة للتنظيم و الترتيب أينما حل و ارتحل لتخفيف القلق أو الخوف من عدم الترتيب. هذا الوعي بالطبيعة غير المنطقية للسلوكيات القهرية هو جزء من الصراع الداخلي الذي يعاني منه الشخص المصاب بالعصاب القهري، مما يزيد من حدة القلق

 والتوتر.


الالتزام بالعلاج والعمل مع معالج نفسي مؤهل يمكن أن يؤدي إلى تحسين كبير في نوعية الحياة وتقليل تأثير السلوكيات القهرية. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر وقتا وجهدا لتحقيق التغييرات المرجوة، ويتطلب التحلي بالصبر والمثابرة،كما فعل عبد العزيز في نهاية المطاف