يقول عالم الاجتماع سيمور مارتن ليبست: إن المراقب الذي لا يعرف إلا بلدا واحدا لا يعرف أي بلد فمن دون مقارنة جدية،لا سبيل لمعرفة ما إذا كانت ممارسة أو سلوك محدد فريدا و خاصا بالمجتمع قيد الدراسة ،أم شائعا ومشتركا بين عدة مجتمعات، ولايمكن عزو الأسباب ، كالجغرافيا أو المناخ أو التقنية أو الدين أو الصراع ،إلى طيف واسع من النتائج القائمة في عالم اليوم إلا من خلال التحليل المقارن.
وهذا مايجعلنا نفكر ونطرح الكثير من الأسئلة حول عمل منظمات السلام ،وعمل مقارنة بين المنظمات العالمية والمحلية وأعمالها وماقدمته خلال سنوات منذ تأسيسها الذي يعود لعام ١٨٩١م في مدينة برن السويسرية والجدير بالذكر أن اتفاقية السلام الأساسية تم صياغتها عام ١٢١٥م من قبل كبير أساقفة كانتربري لإنهاء الخلاف بين الملك جون والنبلاء الثائرين والتي تتضمن ثلاثة وستين بندا والتي تعتبر المرة الأولى في تاريخ أوربا أن يقوم رأس السلطة السياسية بخضوعه للقانون.
وقد تم اعادة تأويل الميثاق مررا لاعتبارها الوثيقة العظمى لوثيقة حقوق الإنسان لذلك دخلت في صلب وثيقة الحقوق والدستور الأميركي وشرعة الأمم المتحدة الحالية.
حوار جديد نقدمه أنا وضيفي عن منظمات السلام والنقد الدولي ودورهما
مجددا نتحاور أنا وضيفي حول ما يحدث من مستجدات حولنا لنرحب جميعا بضيفي د/ مصطفى توفيق، رئيس الإتحاد الدولي للصحافة و الإعلام و الإتصال:
حاصل على شهادة جامعية بكلية ستراد كلايد بالمملكة المتحدة في المجال الصحافي
حاصل على شهادة الدكتوراه الفخرية في مجال الصحافة و الإعلام من معهد باراديم الدولي للتنمية المهنية والدراسات المتقدمة
أصدر سنة 2018 كتابا تحت عنوان محطات النضال المجيد لنقابة الصحافيين المغاربة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل
أصدر سنة 2019 كتاب تحت عنوان مقالات رأي
أصدر سنة 2019 كتاب تحت عنوان سقف التنازلات...الحكم الذاتي
أصدر سنة 2016 ثلاثة عشر كتابا باللغة الإنجليزية منقولة من أخبار بي بي سي البريطانية
قريبا إن شاء الله، سيتم إصدار كتاب جديد له تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي"
منخرط بمنظمة مراسلون بلا حدود سنة 2018
كاتب مقالات بمختلف الجرائد الإلكترونية الوطنية و الدولية و طالب معرفة
أهلا وسهلا بك مجددا دكتور مصطفى توفيق في حوار جديد
ومهم ودعني أبدأ معك:
١- فكرة (الأمن القومي)تشكلت عقب الحرب العالمية الأولى وهي أول منظمة دولية شكلتها عصبة الأمم...
الأمن المشترك بين من ومن، ومن هم المقصودون بها؟
ج١/ شكرا استاذتي الفاضلة مرة أخرى على الإستضافة، فقبل الخوض في موضوع الأمن القومي، فلا بأس هنا أن نسلط الضوء على مفهومه و ليس على إشكاليته، لأن الإشكالية في حد ذاتها هي مجموعة من العلاقات المترابطة والمعقدة تطرحها عدة مشاكل التي يمكن أن تحدث مأزقا عند تراكمها لدى الأمن القومي بصفة عامة ، فلا داعي هنا إلى الحديث عن المفهوم القومي كفكرة أو نظرية، و لهذا سنكتفي في توضيح الفكرة على أساس أنها تعني في جوهرها حماية الحكومة للمواطن في الخضوع إلى سياسات مبنية وفق ما ينص عليه الأمن القومي منذ ولادته
أما فيما يخص عصبة الأمم التي ظهر اسمها سنة 1919 كانت تهدف إلى السلم و السلام بين شعوب العالم و هذا بالضبط ما جعل العديد من دول العالم إلى الإنتماء إليها بعدما انهكت الحرب العالمية الأولى هذه الدول، خصوصا أن ما جاء في ميثاقها ينص على ضمان الأمن العالمي و إجراء المفاوضات بين الدول المتنازعة فيما بينها
٢- ظهرت فكرة إنشاء منظمة الأمم المتحدة في وقت الحرب بانعقاد المؤتمرات في موسكو وطهران في سنة 1943. اقترح الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت تسمية "الأمم المتحدة ومع ذلك تم احتلال القوات البريطانية والسوفيتية لإيران عام ١٩٤١م لحماية مخزونات النفط خشية الوقوع في أيدي الألمان ورفض السوفيت الإنسحاب ولكنهم فشلوا في النهاية امام تمسك مجلس الأمن بموقفه ليتم انسحاب ستالين وقواته من إيران
كيف يتم تشكيل منظمة سلام بين دول متصارعة ؟
ج/ بالرجوع إلى هذه الحقبة و إلى الأزمة الإيرانية التي بلغت ذروتها في أربعينيات القرن الماضي خصوصا عام 1946 و التي من خلالها لم يتخل الإتحاد السوفياتي بسهولة عن الأراضي الإيرانية لأن الصراعات السياسية و العسكرية كانت تهدف إلى السيطرة و التوسع و إستغلال إيران، حتى يخضع هذا الاخير إلى ما كان يطمح إليه كل من الإتحاد السوفياتي و القوات البريطانية آنذاك، حيث بقي الصراع مستمرا حتى أعلن الإيرانيون الموالون للاجندات السوفياتية الانفصال بجمهورية أذربيجان، إلى أن أصبح بما يعرف لاحقا بالحرب الباردة
أما أهداف تشكيل منظمة السلام بين الدول المتصارعة اقتصاديا و سياسيا ما هو إلا مجموعة من البروتوكول يضمن فقط ما يمكن تسميته بالسلم والسلام بين شعوب العالم الذي يستحيل أن يتحقق اليوم على أرض الواقع.
٣- ٥١ دولة قاموا على إنشاء الأمم المتحدة في ٢٤/تشرين الأول عام ١٩٤٥م ولكن الدول صاحبة القرار ودائمة العضوية هم خمس دول كبرى فكيف نفسر تجاهل وجود قوى فاعلة على المستوى الدولي فهل هي تشكلت للحفاظ على السلام والأمن والمساواة الدولية فعلا؟
ج٣/ أعتقد ان الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية كان سببا رئيسيا في إنشاء منظمة تعنى بجميع القضايا الدولية املا في تحقيق الأمن و السلم و السلام بين جميع الدول، و ما تطمح إليه الشعوب الآن، يتلخص في القوة الناعمة بغض النظر عن الدول صاحبة القرار أو الدائمة العضوية ، و جميع شعوب العالم الآن و أكثر من أي وقت مضى سئمت الحروب و الدمار، و أصبحوا يرحبون بالقوة الناعمة والأمن و المساواة ، و لقد صدق المفكر الأمريكي جوزيف ناي حينما قال كسب المعارك
بالسلم أهم من كسبها بالسلاح
٤- بالعودة لدول وخسائرها المادية والبشرية بسبب الحربين العالميتين وانشاء منظمة السلام تحت رعايتهم فهل هذه المنظمة من أجل أهدافهم الإستعمارية بعيدا عن الخسائر البشرية والمادية؟
ج٤/ حينما تندلع الحرب بين دولتين بغض النظر عن الأسباب، فمن الطبيعي أن يسجل التاريخ الدمار في اقتصاد الدولتين المتحاربتين، ثم يعلن المؤرخون فيما بعد عن الخسائر البشرية التي يمكن أن تصل إلى أرقام تثير الجدل و الإستغراب، و هذا السؤال يجرنا إلى الحديث عن الخسائر التي شهدتها الحرب العالمية الأولى و الذي بلغ عددها إلى تسعة ملايين قتيلا، اما أكثر الخسائر الدموية تراوح عددها ما بين 62 و 78 مليون قتيلا خلال الحرب العالمية الثانية ، بمعنى أن العدد الإجمالي في فترة اندلاع الحرب العالمية الأولى و الثانية وصل إلى 87 مليون قتيلا، و أعتقد أن إنشاء منظمة السلام لا تعنى بالخسائر المادية و البشرية بقدر ما تعنى بغرس جدور السلم و السلام بين شعوب العالم.
٥- تقوم تلك الدول بالحروب تحت ذرائع الإرهاب والأسلحة النووية للحفاظ على السلام العالمي، كيف نفسر هذا ؟
ج٥/ حتى تتضح الصورة أكثر، أريد هنا أن ارجع إلى الامس القريب و انظر إلى فترة الغزو، وأعطي أمثلة بالغزو العراقي للكويت، و الغزو الأمريكي للعراق.
حينما قامت الحرب في العراق بدريعة امتلاك النظام السابق أسلحة الدمار الشامل، و بعد الغزو الأمريكي للعراق أتضح لاحقا أن العراق لا يملك هذه الأسلحة، و الأكثر من ذلك هو انزلاق البلاد إلى عنف طائفي لازالت آثاره سارية المفعول إلى يومنا هذا ، و من هنا يمكن القول أن الحرب كانت تفتقر إلى وثيقة قانونية، و لا ننسى كذلك غزو العراق للكويت أو ما يسمى بالغزو الصدامي، فهذا الغزو كانت له مبرراته التي تتناقض مع الأهداف الحقيقية للغزو، فكل هذه الدروس السياسية و العسكرية تبرز أن معظم الحروب التي مرت عبر التاريخ كانت تحدث و تقام تحت ذرائع الإرهاب و الأسلحة المحرمة دوليا و ما شابه ذلك، وهذه فعلا إشكالية تقودنا أن نستنتج أن مثل هذه الحروب التي تقام في بقاع العالم، غالبا ما تتناقض عناوينها مع أهدافها.
٦- لو عدنا لأهم القرارات التي صدرت من الدول للحفاظ على السلام العالمي وهنا نذكر بعضها لتوضيح:
اعتراض سفير الاتحاد السوفيتي أندريه فيشينسكي على قرار انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من سورية في ١٦شباط ١٩٤٦م.
تقسيم فلسطين من قبل الجمعية العامة إلى دولة مستقلة واخرى يهودية وتعين القدس مدينة دولية.بريطانية تتسلم انتدابها على فلسطين من قبل عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة ليتم اعلان دولة اسرائيل.
والقائمة تتطور من القرارات وسنذكر بعضها لاحقا، فكيف يمكننا أن نقول أن هذه الدول وقراراتها صادرة لحفظ السلام؟ أم هي غطاء لأندلاع الحروب والعداوات؟
ج٦/ أعتقد أن هذه المحطات التي تتحدثين عنها في غاية الأهمية،
أولا يتضح من خلال إعتراض سفير الإتحاد السوفياتي فيشينسكي على قرار انسحاب القوات الفرنسية و البريطانية من سوريا في أربعينيات القرن الماضي خصوصا عام 1946 يعني بصريح العبارة التدخل الروسي في الشرق الأوسط بصفة عامة و في سوريا بصفة خاصة، إنه تدخل قديم حديث، و يعود إلى سنوات الخمسينيات بذريعة إنقاذ حلفاء الإتحاد السوفياتي التقليديين، و هذا بالضبط ما جعل الإتحاد السوفياتي يعطي الدعم السياسي لاستقلال بعض الدول في الشرق الأوسط، لأن ذلك يخدم مصالحهم بالدرجة الأولى، و في اعتقادي أن موسكو تريد من دول العالم العربي أن تكون دولا مستقلة وغير منحازة سياسيا لأي قوة أجنبية، خصوصا وأن حقبة خمسينيات القرن الماضي، لوحظت بأنها فترة التخلص من الإستعمارات الغاشمة.
و التاريخ يشهد أن سياسية الإتحاد السوفياتي في تلك الفترة تجاه منطقة الشرق الأوسط، أعطت القوة المعنوية لمصر و سوريا، وأبعدت فكرة الغزو الغربي ليس فقط لمصر و سوريا بل للمنطقة برمتها، إلا أن الأوضاع تختلف حينما يتعلق الأمر بإسرائيل و حليفها التقليدي أمريكا، و أقصد هنا على الخصوص هزيمة الجيوش العربية، و ضياع أراضيها و احتلال جنوب شبه جزيرة سيناء والجولان في الشمال والضفة الغربية في الشرق، وكل هذا يحدث أمام أعين مجلس الأمن الدولي إلى يومنا هذا، و ما يقع في فلسطين الآن، و تحويل السفارة الأمريكية إلى القدس، و صفقة القرن لخير شاهد على ذلك.
٧- التصويت على الوقوف مع كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية لتنهي الحرب بمقتل الملايين في عام ١٩٥٣م وبعده التقسيم، أين الأمن وحفظ السلام الدولي الذي نصت عليه منظمات السلام وماهي الأسباب لدعم التقسيم للحفاظ على السلام؟
ج/ أعتقد أن الصراع و النزاعات المفتعلة بين كوريا الشمالية وأمريكا ليس راجعا إلى التصويت لفائدة كوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية، و لكن الحقيقة تؤكد أن هناك حربا إعلامية قوية بين الجارتين منذ فترة طويلة، و ما يعيشه العالم الآن في ظل بعض الأخبار التي تتحدث عن قنبلة هيدروجينية أكثر فعالية من القنبلة النووية من صنع كوريا الشمالية يثير الرعب و المخاوف ليس فقط في كوريا الجنوبية، بل أيضا لدى منظمات السلام بصفة عامة و الإدارة الأمريكية بصفة خاصة، أما الأحداث الدامية التي شهدتها أعوام 1950 و 1953 تعود إلى تاريخ حرب أهلية في شبه الجزيرة الكورية، شمال خاضع لسيطرة الإتحاد السوفياتي، وجنوب خاضع للولايات المتحدة، حرب كارثية إنتهى فيها الصراع بعد تدخل الأمم المتحدة والصين، لتنتهي الحرب بعد اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1953 ، و التي خلفت وراءها الملايين من القتلى، أما الأسباب تعود دائما للحفاظ على السلام، كما هو معتاد سماعه داخل ما يسمى بمنظمات السلام.
٨- تم إنشاء هيئة مراقبة في عام ١٩٤٨م لمراقبة السلام في فلسطين وصدور القرار ١٤٩على انشاء إغاثة تابعة للأمم المتحدة (أونروا) من أجل اللاجئين الفلسطينيين، أين منظمات السلام من الإعتداءات الإسرائيلية عليهم؟
ج٨/ كلنا نعلم أن الأونروا أو ما يعرف بإسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، خصوصا في الشرق الأدنى تقدم المساعدة المادية و المعنوية، التي تحصل عليها من خلال التبرعات للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لهؤلاء اللاجئين من فلسطين، املا في حل مشاكلهم الوطنية، و أعتقد أن هذا هو الهدف الرئيسي التي من أجله تأسست، أما منظمات السلام، فلا تستطيع أن توفر هذه المساعدات إلى شعوب الدول التي تتعرض إلى الاعتداءات من طرف الإسرائيليين أو المؤيدين لاجنداتهم التوسعية، فهذه المنظمات تحتفظ فقط بشعارات السلم و السلام، التي يستحيل تحقيقها على أرض الواقع.
٩- تم انسحاب قوات السلام من مصر عام ١٩٥٧فقامت اسرائيل بحربها الخاطفة لمدة ستة أيام على مصر والدول العربية ليتم اصدار القرار ٢٤٢بانسحاب اسرائيل وتسليم الأراضي التي استولت عليها مقابل الإعتراف بدولة اسرائيل، وهنا نتساءل عن سبب انسحابها والحرب والقرار للاعتراف بدولة اسرائيل وماهو الدور الذي لعبته تلك المنظمة؟
ج٩/ أولا و قبل الإجابة على سؤالكم المتعلق بانسحاب قوات السلام من مصر في خمسينيات القرن الماضي و إصدار قرار الإنسحاب، فلا بد هنا أن أشير إلى الإعتراف الدولي و الديبلوماسي بما يسمى دولة إسرائيل التي أعلن عنها بتاريخ 1948/05/14 والذي جاء نتيجة الصراع المستمر إلى يومنا هذا بين إسرائيل و العرب، هذا الإعتراف الذي أعطى قوة للكيان الإسرائيلي خصوصا عندما اعترفت 163 دولة بإسرائيل من مجموع 193 دولة عضو بمنظمة الأمم المتحدة، و هذا الإعتراف له ما يبرره، و في اعتقادي أن الرسالة وصلت إلى العالم العربي مفادها أن هناك ولاية أمريكية في الشرق الأوسط إسمها إسرائيل.
…………..
د/مصطفى توفيق: شكرا استاذتي الفاضلة روعة على أسئلتكم الهادفة و لكم مني أطيب المنى و أجمل تحية و سلام
………….
دة/ روعة محسن الدندن: وشكرا لك دكتور على ما افضيت به لنا من خلال إجابتك لنكمل برفقتك الجزء الثاني من حوارنا