موضوع الترخيص لمزاولة مهنة المعالج النفسي أو الأخصائي النفسي أو المحلل النفسي أو المستشار النفسي من بين القضايا الحساسة والمهمة في السياق العالم العربي عموما، لما يرتبط به من أبعاد قانونية ومجتمعية وأخلاقية.
فيما يلي تحليل ومناقشة شاملة للموضوع:
أولا: أهمية وجود الإطار القانوني المنظم للمهنة
إن مهنة العلاج النفسي من المهن الدقيقة التي تتعامل مع العقل والنفس والسلوك الإنساني، وهي بذلك تمس جوهر شخصية الإنسان وتوازنه النفسي والاجتماعي. ومن ثمّ، فإن ممارسة هذه المهنة دون تأهيل أكاديمي ورخصة قانونية يشكل خطرا مباشرا على الصحة النفسية العامة.
غياب الإطار القانوني يجعل الباب مفتوحا أمام كل من يدعي امتلاك قدرات علاجية نفسية، سواء من خلال الدجل أو الخرافة أو استعمال الشعوذة، مما يؤدي إلى استغلال معاناة الناس وإلحاق أضرار نفسية وجسدية بهم.
وجود قانون ينظم المهنة يتيح تحديد شروط الممارسة (الشواهد العلمية، الخبرة الميدانية، أخلاقيات المهنة، التسجيل في هيئات مختصة)، ويضمن حماية المواطن من أي ممارسة غير علمية.
ثانيا: الإشكاليات الناتجة عن غياب التنظيم القانوني
1. انتشار الدخلاء والمشعوذين الذين يستغلون معاناة الأفراد، تحت مسميات مثل "العلاج بالطاقة"، "البرمجة العصبية"، أو "العلاج الروحاني"، دون أي أساس علمي أو تكوين أكاديمي.
2. تشويه صورة علم النفس في المجتمع، إذ يربط العلاج النفسي أحيانا بالدجل أو الشعوذة بدل أن ينظر إليه كعلم إنساني قائم على مناهج علمية دقيقة.
3. ضعف المصداقية الاجتماعية للأخصائيين النفسيين الحقيقيين، ما يجعل المواطنين في حيرة بين الممارسين الأكاديميين وبين منتحلي الصفة.
4. الاعتداء على حقوق المرضى وغياب آليات للمساءلة القانونية في حالة وقوع ضرر نفسي أو أخلاقي.
ثالثا: ضرورة تأطير المهنة تشريعيا ومؤسساتيا
ينبغي على الدولة أن تضع قانونا واضحا يحدد بدقة:
من له الحق في حمل صفة الأخصائي النفسي أو المعالج النفسي.
الشهادات الجامعية المطلوبة (إجازة في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، ماستر في علم النفس الإكلينيكي، دكتوراه في علم النفس).
شروط الحصول على الترخيص المهني من وزارة الصحة أو التعليم العالي.
إنشاء هيئة وطنية للأخصائيين النفسيين تكون مسؤولة عن ضبط أخلاقيات المهنة، والتدخل في حالات التجاوز.
كما يمكن الاستفادة من التجارب الدولية (فرنسا، كندا، الولايات المتحدة) التي تضع لوائح صارمة لتنظيم الممارسة النفسية، وتفرض التسجيل في نقابات أو مجالس مهنية لضمان جودة الخدمات النفسية.
رابعا: البعد المجتمعي والأخلاقي
الترخيص القانوني لا يحمي المهنة فقط، بل يحمي المجتمع من الانتهاكات النفسية والمالية والأخلاقية. فالمعالج النفسي يتعامل مع أسرار الناس، ويجب أن يكون ملتزما بميثاق شرف مهني، يحفظ كرامة الإنسان وسريته.
كما أن المجتمع المدني والجمعيات النفسية يمكن أن تلعب دورا في التوعية بخطورة اللجوء إلى غير المتخصصين، وتشجيع الناس على طلب المساعدة من الأخصائيين المعتمدين.
في الختام، لا يمكن الحديث عن الترخيص لمزاولة مهنة المعالج النفسي أو الأخصائي النفسي أو المحلل النفسي أو المستشار النفسي في غياب إطار قانوني منظم، لأن ذلك يعني منح الشرعية للفوضى في مجال حساس يتعلق بصحة المواطن النفسية والعقلية.
لذلك، فإن الخطوة الأولى نحو الإصلاح تكمن في سن قانون مهني واضح، يضبط الممارسة، ويحمي المهنة من التطفل، والمجتمع من الشعوذة، ويعيد الاعتبار للعلم والمعرفة في خدمة الإنسان.
تنويه:
هذا المقال يدخل ضمن جهود الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال في نشر الوعي حول قضايا الصحة النفسية، ودعم النقاش العمومي حول ضرورة سنّ إطار قانوني منظم للمهن السيكولوجية، بما يضمن حماية المواطن واحترام أخلاقيات الممارسة المهنية.
المصطفى توفيق
12 نونبر 2025
Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)
👇
https://lematin.ma/societe/cadre-legal-pour-les-psychologues-bientot-au-maroc/310188/amp
