في السنوات الأخيرة، شهد التعليم العالي المغربي دينامية متسارعة في تنويع عروضه التكوينية واستحداث مسالك جديدة تستجيب لحاجيات المجتمع وسوق الشغل. ومن أبرز هذه المبادرات، مشاريع ماسترات التميز التي تجمع بين الجودة الأكاديمية والانفتاح المهني.
غير أن فتح أي ماستر جديد داخل جامعة مغربية لا يتم بشكل تلقائي، بل يخضع لمسار دقيق من الإجراءات الإدارية والبيداغوجية التي تضمن احترام معايير الجودة الوطنية.
هذا المقال يسلط الضوء على مختلف المراحل التي تمر منها الكليات لاعتماد ماستر جديد من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
المرحلة الأولى: إعداد الملف البيداغوجي
تنطلق العملية داخل الكلية أو المؤسسة الجامعية المعنية، حيث يشكّل فريق بيداغوجي من الأساتذة الباحثين المتخصصين لإعداد مشروع الماستر وفق نموذج رسمي معتمد من الوزارة.
يحتوي الملف على كل المعطيات العلمية والتنظيمية التالية:
تسمية الماستر بالعربية والفرنسية؛
الأهداف العامة والخاصة للتكوين؛
الشروط والمعايير المطلوبة للولوج؛
توصيف دقيق للوحدات (Modules)؛
منهجية التقويم والامتحانات؛
السير الذاتية للأساتذة المؤطرين؛
الإمكانيات المادية واللوجستية المتاحة (قاعات، مختبرات، مكتبة...)؛
الشراكات العلمية والمهنية المحتملة؛
المخرجات المنتظرة وفرص الإدماج المهني للطلبة.
ويعد هذا الملف بمثابة البطاقة التقنية والعلمية للبرنامج المقترح.
المرحلة الثانية: المصادقة داخل مجلس الكلية
بعد إعداد المشروع، يُعرض على مجلس الكلية للمناقشة والموافقة.
يعتبر هذا المجلس الإطار القانوني الذي يصادق على كل مشروع تكوين قبل رفعه إلى رئاسة الجامعة.
وفي هذه المرحلة، يمكن إدخال تعديلات أو تحسينات بناء على ملاحظات الأساتذة الأعضاء.
المرحلة الثالثة: دراسة المشروع من طرف مجلس الجامعة
بعد مصادقة مجلس الكلية، يحال المشروع إلى رئاسة الجامعة التي تدرسه من زاويتين:
1. مدى توافقه مع استراتيجية الجامعة وأولوياتها الأكاديمية؛
2. توفر الإمكانيات البشرية والمادية الكفيلة بضمان نجاح التكوين.
فمجلس الجامعة يحرص على تجنب تكرار المسالك المماثلة داخل المؤسسة، وضمان التكامل بين مختلف برامجها.
المرحلة الرابعة: إحالة الملف على الوزارة
بعد موافقة مجلس الجامعة، يوجه الملف رسميا إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث يحال إلى اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي (CNCES).
المرحلة الخامسة: تقييم اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي
تعتبر هذه اللجنة المحطة الأهم في مسار الاعتماد.
تتكوّن من خبراء وأساتذة جامعيين من مختلف التخصصات، وتقوم بـ:
فحص المضمون الأكاديمي للبرنامج؛
التأكد من كفاءة الطاقم البيداغوجي؛
دراسة مدى ملاءمة التكوين مع سوق الشغل وحاجيات المجتمع؛
تقييم البنية التحتية والوسائل المتوفرة.
قد تطلب اللجنة من الكلية إدخال تعديلات أو تحسينات قبل الموافقة النهائية.
المرحلة السادسة: صدور قرار الاعتماد الرسمي
بعد موافقة اللجنة الوطنية، تصدر الوزارة قرار الاعتماد الذي يمنح للمؤسسة الحق في فتح التسجيل في البرنامج الجديد.
يحمل القرار رقما وتاريخا محددا، وغالبا ما ينشر على الموقع الرسمي للوزارة أو في الجريدة الرسمية للمملكة المغربية.
هذا القرار هو الذي يضفي الشرعية القانونية على الماستر ويمكن الطلبة من التسجيل فيه بصفة رسمية.
المرحلة السابعة: التقييم الدوري وتجديد الاعتماد
الاعتماد لا يكون دائما؛ إذ تجري الوزارة تقييما دوريا كل أربع إلى ست سنوات للتأكد من استمرار احترام المعايير الوطنية.
ويتعين على الكلية في كل مرة تقديم ملف تجديد الاعتماد مرفقا بحصيلة التكوين السابقة ومؤشرات الجودة.
المدة الزمنية المتوقعة لاعتماد الماستر الجديد
رغم أن المسار الإداري لاعتماد ماستر جديد يمر بعدة مراحل دقيقة، إلا أنه من الممكن تقدير المدة الزمنية الإجمالية من بداية إعداد الملف داخل الكلية إلى صدور القرار الرسمي للوزارة. بشكل عام، قد يستغرق هذا المسار من 6 أشهر إلى سنة تقريبا، حسب تقديم مشروع الماستر، سرعة المصادقة داخل المجالس، واستجابة اللجنة الوطنية لملاحظات التعديلات المطلوبة. يعد هذا الإطار الزمني تقريبيا، ويختلف باختلاف المؤسسات الجامعية وطبيعة التخصص المقترح.
خلاصة القول، إن اعتماد مسلك ماستر جديد في الجامعات المغربية ليس مجرد خطوة شكلية، بل هو مسار مؤسساتي متكامل يضمن جودة التكوين الأكاديمي ويحافظ على مصداقية الشهادات الجامعية الوطنية.
ويعد هذا النظام أحد الركائز الأساسية في سياسة الوزارة الرامية إلى تحقيق تكافؤ الفرص، ورفع مستوى البحث العلمي، وربط الجامعة بمحيطها السوسيو-اقتصادي.
ملحوظة:
تم إعداد هذا المقال لأغراض معرفية وإعلامية، اعتمادا على المساطر الرسمية المعمول بها داخل الجامعات المغربية، دون تمثيل لأي جهة إدارية أو رسمية.