في ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، دوّى زلزال الحوز بقوة، ليخلف وراءه مأساة كبرى ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية للمغاربة. وبينما تهاوت جدران البيوت في القرى الجبلية، ظلت القلوب معلقة بصرخات الناجين ودموع المكلومين، في مشهد صعب لا يمحى من الذاكرة.
اليوم، ونحن في 16 شتنبر 2025، نستحضر الذكرى الثانية لهذه الفاجعة لا من باب استرجاع الألم فحسب، بل من باب الوفاء للضحايا واستلهام الدروس. فالزلزال لم يكن مجرد كارثة طبيعية، بل كان امتحانا قاسيا لقيم التضامن التي جسدها المغاربة بأروع الصور.
لقد فتحت الفاجعة أعيننا على هشاشة الحياة، وعلى الحاجة الملحّة إلى الاهتمام بالمناطق الجبلية المغربية العزيزة. ومع انطلاق مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، تجدد الأمل في أن تتحول الجراح إلى بداية لنهضة جديدة، تعيد الكرامة لأبناء الحوز، وتمنحهم حقهم في العيش بأمان وظروف أفضل.
ولعل أبرز ما ميز مرحلة ما بعد الزلزال هو المبادرات التضامنية الميدانية، التي أظهرت أن العمل الجماعي لا يقل أهمية عن الدعم الرسمي. في هذا السياق، برزت قوافل الدعم التي نظمتها هيئات مدنية وجمعيات وطنية، ومن بينها مبادرة مركز هارت للدراسات والأبحاث الاجتماعية والتنمية، التي جسدت مثالا على التدخل المسؤول والإنساني.
يقول الدكتور المعتصم الشارف، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان ورئيس المركز، في حديث خصني به:
"إن تنظيم قافلة الدعم والإغاثة من طرف مركز هارت يأتي في سياق هدف رئيسي من أهداف المركز، وهو التدخل في تدبير المخاطر والأزمات، مع تقديم الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي المباشر للمنكوبين عبر فريق استعجالي متخصص."
وقد انطلقت أولى هذه القوافل يوم 14 شتنبر 2023 من المحمدية نحو منطقة أمزميز، محملة بالمواد الغذائية، والأغطية، والخيام، إلى جانب فريق من المتطوعين والمتخصصين في الدعم النفسي والاجتماعي. وعن هذه التجربة، يؤكد الدكتور الشارف:
"التنظيم أساس أي عملية تدخلية، ولذا اشتغلنا مع فريق جاد ومسؤول، ما جعل القافلة الأولى تنجح وتصل في الوقت المناسب إلى المتضررين.
لم يقتصر الأمر على توفير المواد الأساسية، بل شمل أيضا إشراك أساتذة وباحثين ومتطوعين شباب. ويوضح الدكتور الشارف أن تجاوب المواطنين كان لافتا منذ اللحظة الأولى:
"منذ إعلاننا التضامني يوم 11 شتنبر 2023، بدأنا نتلقى المساهمات والتبرعات العينية، إضافة إلى طلبات الانخراط من مختصين في الدعم النفسي والاجتماعي."
ورغم صعوبة التضاريس وظروف التنقل، فإن التخطيط المسبق مكن القافلة من بلوغ المناطق الأكثر تضررا، وتوزيع المساعدات بشكل عادل. وهنا يشدد رئيس المركز:
"المساواة والإنصاف في توزيع الدعم أمر أساسي، والمركز يتوفر على معلومات دقيقة حول المناطق التي لم يصلها الدعم بعد."
لقد كانت تجربة قافلة مركز هارت درسا بليغا في كيفية إدارة الأزمات، ليس فقط عبر الإغاثة الفورية، ولكن أيضا من خلال نشر الوعي المجتمعي. فكما يقول الدكتور الشارف:
"التوعية والتعبئة جزء لا يتجزأ من عملنا، من خلال الأبحاث والدراسات والندوات العلمية، حتى نرسخ ثقافة الاستعداد لمثل هذه الكوارث الطبيعية."
إن استحضار ذكرى زلزال الحوز بعد عامين، يقترن إذن بضرورة تخليد قيم التضامن التي رافقت تلك المحنة. فالمساعدات التي وصلت إلى القرى الجبلية لم تكن مجرد مواد غذائية أو خيام للإيواء، بل كانت رسائل إنسانية تبعث الأمل في نفوس المنكوبين بأنهم ليسوا وحدهم.
إنها ذكرى تعيد التأكيد على أن الألم مهما كان عميقا، يمكن أن يتحول إلى قوة دافعة، وأن التضامن في الميدان، كما جسده الدكتور المعتصم الشارف وفريقه، يظل الركيزة الأساسية لمجتمع قادر على مواجهة المحن وتجاوزها بكرامة وأمل
للاطلاع على الحوار، اضغطوا على الرابط التالي
https://www.alitihad.ma/2023/09/interview%20_01292800128.html
حاوره: المصطفى توفيق
رئيس منظمة الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال
بتاريخ 14 شتنبر 2023