شهدت الجامعة المغربية خلال السنوات الأخيرة تحولات عميقة على مستوى هيكلة التكوينات والتوجهات البيداغوجية، وذلك في إطار تنزيل المخطط الوطني PACTE ESRI 2030 الذي يهدف إلى إعادة بناء منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على أسس الجودة والتنافسية والتميز. ومن أبرز ما جاء به هذا الإصلاح إحداث مراكز التميز التي تضم مسالك تكوينية جديدة تحت مسمى إجازة التميز، ماستر التميز ودكتوراه التميز.
مراكز التميز ليست مجرد مسالك جديدة، بل هي بنيات نخبوية داخل الجامعات المغربية، تهدف إلى تكوين أطر عالية الكفاءة عبر مسار متكامل ومغلق.
التكامل: الطالب الذي يلتحق بـ إجازة التميز يكون أمامه مسار واضح ومترابط: إجازة (3 سنوات) ، ماستر التميز (سنتان) ، دكتوراه التميز (3 سنوات). هذا التسلسل يضمن استمرارية التكوين دون انقطاع.
الإغلاق: مراكز التميز ليست مفتوحة للجميع، بل يتم الولوج إليها عبر انتقاء صارم يعتمد على نتائج الباكالوريا و دبلوم الدراسات الجامعية العامة DEUG، بالإضافة إلى المباريات الكتابية والشفوية، أو اختبارات الكفاءة الخاصة بالمركز. وبمجرد ولوج الطالب، فإنه يستفيد من أولوية بل وأحيانا ولوج تلقائي للماستر والدكتوراه داخل نفس المركز، شريطة الحفاظ على مستوى التفوق.
الهدف: خلق نواة جامعية متخصصة في تكوين أطر المستقبل، وتحفيز البحث العلمي والابتكار في المجالات ذات الأولوية الوطنية والدولية.
هذه المراكز لا تخضع لنفس منطق الاعتماد الكلاسيكي، لأنها ليست مسارات منفردة أو تجريبية، بل جزء من إصلاح وطني شامل أقرته الوزارة.
منذ لحظة الإعلان عنها، حصلت مراكز التميز على المصادقة الوزارية الهيكلية التي تغطي المسار كاملا (إجازة – ماستر – دكتوراه).
ان التتبع الذي تقوم به الوزارة يندرج ضمن إطار المواكبة وضمان الجودة، وليس في إطار إعادة طلب الاعتماد النهائي لفتح ماستر التميز
وبالتالي، فإن الحديث عن “طلب اعتماد نهائي” لهذه المراكز غير وارد، لأن فلسفتها تقوم على قرار وزاري مهيكل يغطيها منذ البداية.
أحد الأسئلة التي يطرحها الطلبة داخل مراكز التميز : ماذا بعد الحصول على إجازة التميز؟
وفقا للفلسفة المعتمدة، فإن جميع الطلبة الذين سيحصلون على إجازة التميز داخل مراكز التميز في الموسم الجامعي 2024-2025 سيواصلون دراستهم تلقائيا في ماستر التميز خلال الموسم الجامعي 2025-2026.
لا وجود لمباريات أو انتقاء إضافي كما هو معمول به في الإجازة الأساسية العادية، حيث أن الشرط الوحيد هو احترام نظام التكوين والنجاح الأكاديمي.
هذا الإجراء يترجم عمليا هدف الإصلاح، وضمان تكوين متواصل رفيع المستوى داخل الجامعة المغربية.
إن مراكز التميز وإجازة التميز ليست مجرد إضافة جديدة للجامعة المغربية، بل هي نقلة نوعية في فلسفة التكوين الجامعي، حيث لم يعد الهدف فقط توفير شهادات عليا، بل خلق مسارات نخبوية متكاملة تتيح للطلبة المتفوقين التدرج بسلاسة من الإجازة إلى الدكتوراه.
وبما أن هذه المراكز أُنشئت في إطار إصلاح وطني مصادق عليه من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، فإنها لا تحتاج إلى طلب اعتماد نهائي كما هو الشأن بالنسبة للمسالك الكلاسيكية، بل هي معتمدة هيكليا منذ إحداثها.
هذا ما يضمن للطلبة وللأطر الأكاديمية رؤية واضحة لمستقبل التكوين، ويعزز مكانة الجامعة المغربية في خريطة التكوين والبحث العلمي عالميا.
بعد نجاح الطلبة في إجازة التميز، يصبح الولوج إلى ماستر التميز في نفس التخصص داخل نفس المركز أمرا تلقائيا ومضمونا، ولا يخضع لمباريات إضافية، وفقا للفلسفة التي يقوم عليها الإصلاح البيداغوجي الجديد (PACTE ESRI 2030).
ومن هذا المنطلق، فإن المركز ملزم بالإعلان عن فتح التسجيل في ماستر التميز للطلبة الذين أكملوا إجازتهم، لضمان استمرارية المسار الأكاديمي المتكامل.
ويعد الإعلان عن التسجيل إجراء رسميا لتفعيل مسار الطالب، وليس بمثابة انتقاء جديد، بل لتسهيل الإجراءات الإدارية وتمكين الطلبة من متابعة دراستهم العليا.
هذا الإجراء يعكس الهدف الأساسي للمراكز، حيث يضمن استمرارية التكوين الجامعي من الإجازة إلى الماستر ثم الدكتوراه، بما يتوافق مع رؤية الوزارة في بناء نواة متكاملة من الكفاءات البحثية والأكاديمية.
المصطفى توفيق
منصة الفكر والمعرفة والسيكولوجيا
2025/09/27