احتفاء بعيد العرش المجيد، نظم فرع سيدي معروف لجمعية مبادرة لتأهيل الأسرة وإدماج ذوي الإعاقة، بتنسيق مع المكتب المركزي للجمعية، وبشراكة مع منظمة الفكر العالمي للسلام وحقوق الإنسان بأوروبا وجمعية روح التحدي لذوي الاحتياجات الخاصة، لقاءً تواصليًا تحت عنوان: "سلوكيات المواطنة من أجل بناء مجتمع متوازن (حقوق وواجبات)"، وذلك يوم السبت 2 غشت 2025، على الساعة الرابعة مساءً، بفضاء المركب الثقافي سيدي معروف بمدينة الدار البيضاء.
يأتي هذا اللقاء في سياق وطني احتفالي، يجمع بين البعد التوعوي والاجتماعي، بهدف ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية التوازن بين الحقوق والواجبات لبناء مجتمع منصف وشامل، خصوصا في ما يتعلق بإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة.
وقد شهد اللقاء مشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين المتخصصين في علم النفس، الذين قدموا مداخلات علمية وواقعية قاربت موضوع المواطنة من زوايا سيكولوجية واجتماعية وتربوية، وكان من بينهم:
الدكتورة يسرى التازي، أستاذة علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية – جامعة الحسن الثاني، المعروفة باهتمامها بقضايا الأسرة والمجتمع.
الدكتور دمير عزيز، أستاذ علم النفس بكلية الآداب عين الشق – جامعة الحسن الثاني، المختص في السلوك الإنساني والتنشئة الاجتماعية وعلم النفس.
الدكتورة حكيمة الحجار، أستاذة علم النفس الإكلينيكي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية - جامعة الحسن الثاني- المهتمة بالبحث في مجالات الصحة النفسية
الأستاذة عزيزة الحبيب ( التمكين النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة .
الأستاذ ياسين شجاع شجاع (التربية على المواطنة ودورها في إدماج متوازن لذوي الاحتياجات الخاصة)
في قلب النقاش: مقاربات سيكولوجية للمواطنة
في مداخلته المعنونة بـ "مقاربة تحليلية نفسية من أجل ضبط اختلالات سلوك المواطنة في المجتمع"، أكد الدكتور دمير عزيز أن المواطنة اليوم لم تعد مفهوماً قانونياً فقط، بل أصبحت ترتبط بتمثل نفسي وسلوكي يعكس إدراك الفرد لمكانته داخل المجتمع. وقدّم مقاربة متعددة الأبعاد تشمل:
علم النفس الإيجابي: من خلال تعزيز قيم الانتماء والمسؤولية والمرونة النفسية.
علم النفس الاجتماعي: الذي يفسر تشكل المواطنة من خلال التفاعل مع الجماعة.
المقاربة المعرفية والسلوكية: لتسليط الضوء على تأثير الإدراك الفردي للحقوق والواجبات على سلوكياته.
واختتم مداخلته بعدد من التوصيات، أبرزها:
ضرورة تعزيز التربية على المواطنة الرقمية من خلال برامج نفسية تربوية.
تفعيل دور المؤسسات التربوية والإعلامية في بناء الوعي الحقوقي والواجباتي.
اقتراح استراتيجيات عملية مستمدة من علم النفس لتعزيز المواطنة المتوازنة.
من الإدراك الفردي إلى البناء الجماعي: مداخلة الدكتورة يسرى التازي
من جهتها، قدمت الدكتورة يسرى التازي مداخلة بعنوان: "ترسيخ سلوكيات المواطنة في ضوء علم النفس الاجتماعي: من الإدراك الفردي إلى البناء الجماعي"، سلطت من خلالها الضوء على أن المواطنة ليست فقط انتماء قانونيا بل هي سلوك مكتسب ينبني على ثلاثة مرتكزات أساسية:
1. الوعي الجماعي: إدراك الفرد أن مصيره مرتبط بالجماعة.
2. الهوية الاجتماعية: تعزيز شعور الانتماء للوطن.
3. خدمة المصلحة العامة: من خلال مساهمة الفرد في استقرار وتماسك مجتمعه.
كما أبرزت أن احترام القانون والمشاركة المجتمعية والدفاع عن الحقوق، هي تعبيرات عن مواطنة فاعلة تبنى عبر التنشئة الاجتماعية والإعلام والتجارب اليومية، مؤكدة على أهمية المساهمة الفردية في بناء مجتمع تسوده العدالة والتكافؤ.
وربطت الباحثة هذا السلوك الجماعي بمفاهيم سيكولوجية محورية كـ"الامتثال للمعايير الاجتماعية"، معتبرة أن سلوك المواطن الإيجابي لا يتحقق إلا من خلال توازن داخلي بين ما يأخذه الفرد من المجتمع وما يقدمه له.
واستشهدت بنظرية "ماسلو" للحاجات، موضحة أن الشعور بالقبول والانتماء والعدالة هو مفتاح الانخراط الإيجابي في الحياة العامة، وأنه لا يمكن تصور مواطن مسؤول دون احترام متبادل بين الحقوق والواجبات.
الصحة النفسية: حق للجميع – مداخلة الدكتورة حكيمة الحجار
في مداخلتها الموسومة بـ "الصحة النفسية: حق للجميع، الشروط والتحديات"، عبرت الدكتورة حكيمة الحجار، أستاذة علم النفس الإكلينيكي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، عن أصدق التهاني والتبريكات لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة الذكرى 26 لتوليه عرش المملكة، سائلة الله عز وجل أن يديم عليه الصحة والعافية ويبارك في عمره ويجدد فيه عهد البيعة والوفاء.
افتتحت الدكتورة مداخلتها بتعريف الصحة النفسية، مؤكدة أنها ركيزة أساسية لبناء مجتمع متوازن، لما لها من أثر مباشر على رفاهية الأفراد، تماسك الأسر، جودة التعليم، وإنتاجية العمل. وأشارت إلى أن الحق في الصحة النفسية مؤطر قانونيا في الفصل 31 من الدستور المغربي، غير أنه لا يكفي الاعتراف بهذا الحق نظريا، بل يجب ترجمته إلى برامج وقوانين ومؤسسات تضمن الولوج العادل والمجاني إلى خدمات نفسية ذات جودة.
كما شددت على أهمية القرب الجغرافي لهذه الخدمات، داعية إلى إحداث مراكز للصحة النفسية في الأحياء والمناطق القروية، لأن المعاناة النفسية لا تفرق بين المدينة والقرية. وأكدت على ضرورة التربية على الصحة النفسية منذ الصغر، وتكريس ثقافة مفادها أن "التعبير عن المشاعر ليس ضعفا"، وأن طلب المساعدة النفسية سلوك طبيعي لا عيب فيه.
ونبهت الدكتورة إلى التحديات الجسيمة التي تواجه قطاع الصحة النفسية في المغرب، من قبيل قلة الأطر الطبية المتخصصة، نقص الأسرة، وارتفاع كلفة العلاج، ووصفت الوضع النفسي العام في البلاد بـ"المقلق"، منبهة إلى ضرورة تفعيل الرؤية الملكية الرشيدة التي تضع الإنسان في قلب التنمية، مع إشراك المجتمع المدني كفاعل أساسي عبر شراكات فعالة مع الدولة.
وختمت مداخلتها بالتأكيد على أهمية نشر الوعي، تغيير العقليات، وإرساء ثقافة مجتمعية تجعل من الصحة النفسية رافعة للتنمية الإنسانية الشاملة
التمكين النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة – مداخلة الأستاذة عزيزة الحبيب
في مداخلتها القيمة، أبرزت الأستاذة عزيزة الحبيب أهمية التمكين النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، معتبرةً إياه عملية دعم شاملة تهدف إلى بناء الثقة بالنفس، وتعزيز الاستقلالية، وتنمية الشعور بالقدرة على اتخاذ القرارات والمشاركة الفعالة في المجتمع.
وأكدت الأستاذة أن التمكين لا يقتصر على البعد الفردي، بل يتحول إلى ركيزة أساسية لتعزيز قيم المواطنة، موضحة أنه عندما يشعر الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة بقيمته ودوره داخل المجتمع، يصبح أكثر استعدادًا لتحمل المسؤولية، واحترام القوانين، والمساهمة في خدمة الصالح العام.
وأضافت أن المجتمع، من خلال تمكين هذه الفئة، يرسخ مبادئ المساواة، والعدالة الاجتماعية، والتضامن، وهي المبادئ الجوهرية لروح المواطنة. واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أن التمكين النفسي يعزز لدى الأشخاص ذوي الإعاقة شعورًا أقوى بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية، ويجعل المجتمع أكثر وعيًا بقيمة التنوع وقبول الاختلاف.
.
التربية على المواطنة من أجل إدماج متوازن – مداخلة الأستاذ ياسين شجاع
في مداخلته المعنونة بـ"التربية على المواطنة ودورها في إدماج متوازن لذوي الاحتياجات الخاصة"، أبرز الأستاذ ياسين شجاع الأهمية البالغة للتربية الخاصة ليس فقط في تطوير المهارات الأكاديمية والاستقلالية الذاتية لدى الأشخاص في وضعية إعاقة، بل كذلك في تنمية الوعي القيمي والاجتماعي الذي يُعد جوهر التربية على المواطنة.
وأكد أن البرامج التعليمية المكيفة التي تراعي البعد المدني والحقوقي، وتستند إلى استراتيجيات فردية لتعزيز الثقة بالنفس والتواصل، تساهم بشكل فعّال في بناء مواطنين واعين بحقوقهم وواجباتهم. فالتربية على المواطنة، حسب شجاع، تزرع في نفوس هذه الفئة شعور الانتماء إلى الأسرة، والمدرسة، والوطن، وتؤهلهم لتحمل المسؤولية والمشاركة الفعالة في الحياة العامة.
كما شدد الأستاذ على أن الإدماج الحقيقي لذوي الاحتياجات الخاصة لا يكتمل دون إشراكهم في الفعل المواطني، مما يستوجب تعزيز الثقافة الحقوقية لديهم منذ الصغر. وختم مداخلته بالتأكيد أن لا تربية على المواطنة بدون إدماج فعلي وشامل لجميع الفئات دون استثناء، من منطلق أن العدالة والمواطنة لا تكونان كاملتين إلا بتكافؤ الفرص واعتراف المجتمع بقيمة كل أفراده، مهما اختلفت قدراتهم.
بهذه المداخلات الرفيعة المستوى، جسّد اللقاء التواصلي بسيدي معروف صورة حية لمجتمع مدني واع، يعمل على تمكين فئاته جميعا، ويراهن على التربية النفسية والاجتماعية لبناء مواطن مسؤول يساهم في تحقيق التنمية والعدالة والمساواة.
ختام اللقاء: نحو مجتمع دامج ومتوازن
شكل هذا اللقاء منصة حوارية جمعت بين الخطاب الأكاديمي والرؤية المجتمعية، وشهد تفاعلا لافتا من الحضور، مما يعكس تعطش المواطن المغربي، خاصة الشباب والأشخاص في وضعية إعاقة، إلى فهم أعمق لمفهوم المواطنة في ضوء علم النفس.
وتوجت أشغال اللقاء بتوصيات مهمة دعت إلى:
إشراك المجتمع المدني والمجال الأكاديمي في بلورة سياسات مواطنة دامجة.
تعزيز الثقة في المؤسسات كخطوة أساسية لبناء مواطنة مسؤولة.
دعم البرامج النفسية والاجتماعية الموجهة لفئات الهشاشة والإعاقة، باعتبارهم جزءًا أصيلًا من النسيج المجتمعي.
لقد شكل هذا الحدث نموذجا راقيا للتعاون بين النسيج الجمعوي والمؤسسات الأكاديمية، وأكد مرة أخرى على أن بناء مجتمع متوازن يتطلب تكاملا بين المعرفة، الوعي، والممارسة المواطِنة.
.
.