10
أبريل
2024
في العقود القليلة الماضية، شهدت النظريات النفسية تطورًا هائلاً، مع تنوع وتكاثر المدارس والأساليب. ومن بين هذه النظريات تأتي النظرية السلوكية كأحد الأسس الرئيسية لفهم وتفسير السلوك الإنساني. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية هذا المنهج في فترة معينة، إلا أنه يعاني من العديد من القيود والنقائص التي أثرت على قدرته على تفسير وفهم السلوك البشري بشكل شامل.
تصور السلوكية الإنسان على أنه مجرد مجموعة من الاستجابات تتأثر بالمحفزات الخارجية، مما يقلل من دور العوامل العقلية والدوافع الداخلية في تحديد السلوك. ومع ذلك، فإن هذا المفهوم هو تبسيط مفرط للطبيعة البشرية، حيث يتجاهل العديد من الجوانب المهمة مثل التفكير والتصور والتجارب الداخلية.
وصف العديد من الباحثين عصر السلوك الحيوي بأنه "شتاء طويل ومتجمد"، مما يشير إلى القيود والقيود التي فرضتها هذه الفترة على تفسير السلوك البشري. على سبيل المثال، لم تتمكن النظرية السلوكية من تفسير العديد من الظواهر الإنسانية المعقدة مثل الإدراك واللغة وعملية التفكير.
وهكذا، فإن التحليل النقدي للسلوكية يظهر ضرورة توسيع النظرة لتشمل عوامل أكثر تعقيدا مثل العقل، والخبرات الداخلية، والعواطف. ومن هنا فإن استخدام المنهج السلوكي لفهم السلوك الإنساني يتطلب تكامله مع النظريات والمدارس الأخرى للوصول إلى فهم شامل ومتكامل للإنسان وسلوكه.
يمكننا توسيع وجهة النظر لفهم حدود السلوكية بشكل أكبر. على سبيل المثال، تعتبر السلوكية منهجًا محددًا وميكانيكيًا لفهم السلوك، يعتمد بشكل أساسي على الملاحظة والخبرة الخارجية، دون مراعاة العوامل الداخلية مثل العقل والتفكير والمشاعر.
بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى السلوكية أحيانًا على أنها نهج ميكانيكي يعطي الأولوية للسلوك الذي يمكن ملاحظته بسهولة، مما يجعله غير قادر على تفسير العديد من السلوكيات البشرية المعقدة التي لا يمكن ملاحظتها بسهولة.
علاوة على ذلك، تتجاهل السلوكية تمامًا العواطف والدوافع الداخلية التي تؤثر بشكل كبير على السلوك البشري، مما يقلل من قدرتها على تفسير السلوك البشري بشكل شامل ودقيق.
ولذلك فإن الفهم الشامل للإنسان وسلوكه يتطلب التفكير في القيود والنقائص التي تعاني منها السلوكية، ودمجها مع النظريات الأخرى لتقديم رؤية أوسع وأعمق للطبيعة البشرية.
بعض الأمثلة التوضيحية لقيود السلوكية:
1 تفسير العادات الثقافية: إن السلوكية غير قادرة على تفسير العادات الثقافية المعقدة التي تختلف من ثقافة إلى أخرى، مثل الطقوس الدينية أو الاحتفالات التقليدية، حيث يصعب رصدها وتحليلها من خلال الملاحظة والتجربة الخارجية فقط.
2 السلوك البشري غير المنطقي: قد يظهر الإنسان في بعض الأحيان سلوكاً غير منطقي أو غير متوقع، مما يتطلب فهماً عميقاً للعوامل الداخلية مثل المعتقدات والقيم والعواطف التي قد تؤثر عليه.
3 السلوك الإبداعي: لا يمكن للسلوكية أن تفسر السلوك الإبداعي، مثل إبداع الفنانين والكتاب والموسيقيين، إذ يجب أن تأخذ في الاعتبار العوامل الداخلية مثل التفكير الإبداعي، والخيال، والتجارب الشخصية.
4 السلوك الاجتماعي: يصعب على السلوكية تفسير بعض السلوكيات الاجتماعية المعقدة، مثل السلوك في العلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين الأشخاص، حيث يجب مراعاة العديد من العوامل الداخلية والخارجية المتداخلة.
5 السلوك العاطفي: تتجاهل السلوكية دور العواطف في تحديد سلوك الإنسان، مثل الحب والغضب والحزن، والتي تؤثر بشكل كبير على القرارات والتصرفات اليومية.
6 السلوك العقلاني: تعتبر السلوكية أن التفكير والعقلانية أقل أهمية في تحديد السلوك من المحفزات الخارجية، مما يجعلها غير قادرة على تفسير سلوك الإنسان في بيئة تتطلب التفكير العقلاني واتخاذ القرارات المنطقية.
7 ـ التعلم الذاتي: تعتمد السلوكية بشكل أساسي على التعلم الخارجي والمحفزات الخارجية، مما يجعلها تتجاهل قدرة الإنسان على التعلم الذاتي، وتحفيز نفسه، واكتساب المعرفة بمبادرة منه.
8 التصرفات البشرية المعقدة: تظهر بعض التصرفات الإنسانية المعقدة، مثل سلوك الإنسان في حالات الطوارئ أو الضغط النفسي، والتي يصعب فهمها وتحليلها بالسلوك وحده دون النظر إلى العوامل الداخلية.
9 السلوك التعاطفي: تتجاهل السلوكية السلوك التعاطفي والرحمة والشعور بالتعاطف مع الآخرين، وهي عوامل مهمة في تشكيل سلوك الإنسان وتفاعله مع البيئة الاجتماعية.
10 السلوك الأخلاقي: إن فهم السلوك الأخلاقي يتطلب النظر إلى القيم والمبادئ التي يتبناها الفرد، وهو الجانب الذي عادة ما يتم التغاضي عنه في المدرسة السلوكية، التي تركز بشكل رئيسي على الاستجابات الخارجية دون النظر إلى القيم والمعتقدات الداخلية.
11 التفاعل مع التكنولوجيا: من الصعب أن تفسر النظرية السلوكية كيفية تأثير التكنولوجيا على سلوك الإنسان وتطوره، وهو جزء مهم من الحياة اليومية للعديد من الأفراد في العصر الحالي.
12 السلوك في السياق الثقافي: تختلف التصرفات والسلوكيات من ثقافة إلى أخرى، ويعتبر تأثير العادات والقيم الثقافية على السلوك الإنساني جانبا مهما تتجاهله المدرسة السلوكية في تفسير السلوك الإنساني.
وخلاصة القول، إن التحليل النقدي للسلوكية يظهر أنه على الرغم من أهميتها في فترة معينة، فإنها تعاني من العديد من القيود والنقائص التي تقلل من قدرتها على تفسير وفهم السلوك البشري بشكل شامل. إن الفهم الشامل للإنسان وسلوكه يتطلب التفكير في حدود وأوجه القصور في السلوكية، ودمجها مع النظريات الأخرى لتقديم رؤية أوسع وأعمق للطبيعة البشرية. ومن خلال هذا التكامل والتوسع في النظرة، يمكننا أن نصل إلى فهم أعمق وأشمل للإنسان وسلوكه.
المراجع/
بعض المراجع التي يمكنك الرجوع إليها لمزيد من المعلومات حول موضوع "البيهافيوريسم وقيوده"
1. Bunge, M. (1980). The mind-body problem: A psychobiological approach. Pergamon Press.
2. Bruner, J. (1973). Beyond the information given: Studies in the psychology of knowing. Norton.
3. Skinner, B. F. (1953). Science and human behavior. Free Press.
4. Bandura, A. (1977). Social learning theory. Prentice-Hall.
5. Watson, J. B. (1913). Psychology as the behaviorist views it. Psychological Review, 20(2), 158-177.