ظهور العلوم المعرفية في الولايات المتحدة عام 1975 بقلم مصطفى توفيق طالب باحث في علم النفس

 





عندما ننظر إلى تطور العلوم المعرفية في الولايات المتحدة عام 1975، نجد أنها كانت بداية فترة مهمة ومثيرة في تاريخ هذا المجال. وفي هذا العام بدأ «العلم المعرفي» يتحدث عن نفسه وينظم نفسه من ثلاثة جوانب مختلفة: الجانب النظري، والجانب المؤسسي، و الجانب المعلوماتي.


أولاً، من الناحية النظرية، شهدت هذه الفترة انتشاراً واسعاً للفكر الذي ركز على دراسة كيفية عمل العقل البشري وتفاعله مع البيئة المحيطة به. 

بدأ الباحثون في استخدام مجموعة متنوعة من المناهج والأساليب العلمية لفهم العمليات العقلية، مما أدى إلى تطوير نظريات ومفاهيم جديدة في مجال العلوم المعرفية. 


ثانياً، من الناحية المؤسسية، بدأت الجامعات والمعاهد البحثية في الولايات المتحدة تولي اهتماماً متزايداً بدراسة العلوم المعرفية، مما أدى إلى إنشاء برامج أكاديمية متخصصة ومراكز بحثية في هذا المجال. كما بدأت الجامعات بتوظيف باحثين وأساتذة متخصصين في العلوم المعرفية، مما ساهم في تعزيز المجال وتطويره


ثالثاً، من الناحية الإعلامية، بدأت الأحداث والمؤتمرات العلمية التي تتناول العلوم المعرفية تجذب اهتمام وسائل الإعلام وعامة الناس. وبدأت الكتب والمقالات التي تتناول هذا الموضوع بالظهور بشكل متزايد في وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية، مما ساهم في تعميق فهم الناس لأهمية هذا المجال وتأثيره على حياتهم اليومية. 


في السنوات التالية، استمرت العلوم المعرفية في الولايات المتحدة في التطور والتوسع، وشهدت زيادة الاهتمام والاستثمار في هذا المجال من قبل الحكومة والقطاع الخاص. وتم إنشاء المزيد من البرامج الأكاديمية والمراكز البحثية المتخصصة في العلوم المعرفية، مما ساهم في تعزيز التعليم والبحث في هذا المجال


بالإضافة إلى ذلك، شهدت التقنيات الحديثة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي وتخطيط كهربية الدماغ تقدمًا كبيرًا، مما أتاح للباحثين فهمًا أفضل لعمل وبنية الدماغ، وبالتالي فتح آفاق جديدة للبحث في مجال العلوم المعرفية.


ومن حيث الابتكار والتطبيقات العملية، فقد بدأت تطبيقات العلوم المعرفية في التوسع لتشمل مجالات متنوعة مثل الصناعة والتعليم والطب وتصميم الواجهات الرقمية وغيرها. أصبحت دراسة العمليات العقلية وتصورات العقل لا غنى عنها في تصميم المنتجات والخدمات لتحسين تجربة المستخدم وزيادة كفاءة العمليات


ومن الجدير بالذكر أن العلوم المعرفية لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل شهدت انتشارًا وازدهارًا عالميًا في العديد من الدول الأخرى، حيث تم اعتمادها في الأبحاث والتطبيقات في مختلف المجالات. 


وبهذا يمكن القول إن هذه العلوم استطاعت في السنوات الأخيرة أن تحقق تقدماً هائلاً وتصبح مجالاً مهماً وحيوياً يحظى باهتمام كبير من الباحثين والمجتمع العلمي والصناعي على حد سواء. 


بعض الأمثلة التوضيحية لتطبيقات العلوم المعرفية في المجالات المختلفة


 الطب النفسي: استخدام تقنيات العلوم المعرفية مثل التصوير التصوير بالرنين المغناطيسي لفهم كيفية عمل الدماغ لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق. وهذا يمكّن الأطباء النفسيين من تحسين العلاج وتخصيص العلاجات بشكل أكثر فعالية. 


تصميم واجهة المستخدم: استخدام مبادئ العلوم المعرفية لتصميم واجهات المستخدم للتطبيقات والمواقع الرقمية، مما يسهل على المستخدمين التفاعل معها وتحسين تجربتهم.


التعليم: تطبيق مبادئ العلوم المعرفية في تصميم البرامج التعليمية وتطوير أساليب التدريس مما يساعد على تعزيز التعلم وتحفيز الطلاب على المشاركة والفهم بشكل أفضل.



الإعلان والتسويق: استخدام الأبحاث في العلوم المعرفية لفهم سلوك المستهلك واستهداف الإعلان والتسويق بطريقة تستجيب لرغباتهم واهتماماتهم على أفضل وجه. 


الروبوتات والذكاء الاصطناعي: تطبيق مبادئ العلوم المعرفية لتصميم الروبوتات وبرمجة الذكاء الاصطناعي لتمكينها من فهم البيئة المحيطة بها بشكل أفضل واتخاذ قرارات أكثر ذكاءً وفعالية. 


أنظمة السيارات الذكية: استخدام تقنيات العلوم المعرفية في تطوير أنظمة السيارات الذكية لتحليل سلوك السائقين وتقديم إنذارات مبكرة في حالة تشتيت الانتباه أو النعاس، مما يعزز السلامة على الطرق.


الألعاب الذكية: دمج مفاهيم العلوم المعرفية في تصميم الألعاب الرقمية لتعزيز تجربة اللاعبين وإثارة اهتمامهم من خلال تحليل استجاباتهم وتعديل اللعبة وفقًا لذلك.


التنبؤ بالطقس: استخدام البيانات وتحليلات العلوم المعرفية لتحسين دقة التنبؤات الجوية وتوفير إنذارات مبكرة للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات. 


الطب الرياضي: استخدام تقنيات العلوم المعرفية لتحليل أداء الرياضيين وتطوير برامج تدريبية مخصصة لتحسين أدائهم وتقليل مخاطر الإصابة.


الترفيه والتسلية: استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لخلق تجارب تفاعلية تعتمد على فهم العلوم المعرفية، وتوفير تجارب ترفيهية وتعليمية جديدة ومثيرة. 


لا تمثل هذه الأمثلة التوضيحية إلا أمثلة جيدة لكيفية تطبيق العلوم المعرفية في مختلف المجالات، وتوضح الدور المهم الذي يلعبه هذا المجال في تحسين حياتنا وتقدمنا ​​التكنولوجي والعلمي.


وفي الختام، فإن تطور العلوم المعرفية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم يمثل تطورًا مهمًا في فهمنا لكيفية عمل العقل البشري وتفاعله مع البيئة المحيطة. ومع تنوع تطبيقاته في مجالات مثل الطب والتعليم والتكنولوجيا، يساهم هذا المجال في تحسين حياتنا والتقدم في العديد من الجوانب. ومع الابتكار المستمر والاهتمام المتزايد، يمكننا أن نتوقع المزيد من التطوير والتطبيقات الجديدة التي ستجلب فوائد ملموسة للبشرية في المستقبل.


المراجع

ظهرت العلوم المعرفية كمجال دراسي في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأ الباحثون في دراسة كيفية عمل العقل البشري وكيفية تكون المعرفة. ومن أبرز المؤسسين لهذا المجال هو جيرارد دي فو، الذي نشر كتابه العلم العمل (Practical Reasoning) في عام 1978، وهو كتاب يعتبر أحد أهم مراجع العلوم المعرفية