لماذا يصلح اخنوش رئيسا للحكومة؟ (الجزء الثاني) بقلم د/ميلود العضراوي

 


نظرا للردود التي جاءتني على الفيس والواتس أب، حول هذا الموضوع أواصل شرح وجهة نظري في جزئها الثاني، من خلال عملية حسابية بسيطة، يتضح أن  تنشيط الدورة الاقتصادية، يجب أن يكون محورها الطبقتين الاجتماعية معا المتوسطة والكادحة، ولا شك أن المحرك الأساسي في ذلك هو الرفع من القدرة الشرائية، فبواسطة الزيادة في الأجور تتحرك الدورة الاقتصادية وتدور في فلكها القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى.

 تحريك سلم الأجور  يتحرك معه سلم الإنتاج ومعهما يتحرك منحنى الاستهلاك خصوصا بالنسبة للطبقة الاجتماعية الوسطى التي ركز عليها أخنوش، فهذه الطبقة عموما تعمل دائما على خلق توازن بين معيشها ومكانتها الاجتماعية والثقافية، لذا فهي تكابر لتصل إلى مستوى قريب من الطبقة البورجوازية ويبقى طموحها أكبر من دخلها دائما لتفتح في وجهها بوابة القروض على مصراعيها، وبالتالي لا مجال لتصل الطبقة الوسطى مستوى الطبقة البورجوازية في شيء لأن الطبقة البورجوازية لا تسخر القروض لتحقيق رفاهها الاجتماعي ومتعها الحياتية. ومن ثمة فإن إسهامها في الدورة الاقتصادية محدود مقارنة مع الطبقة الاجتماعية المتوسطة. أن الطبقة البورجوازية لا تستعمل المواد المصنعة داخليا الا نادرا حتى السيارات والدراجات النارية والشاحنات والآليات والأدوات المنزلية وكذلك الألبسة والأحذية وما إلى ذلك تقتنى من الخارج، كما أن الطبقة البورجوازية لا تسهم في السياحة الداخلية لأن عينها دائما على الرفاه الاسطوري في الجزر الخيالية، فهي تقضي، العطل السنوية والموسمية في تلك الجزر المشهورة او في الدول الاوروبية وغيرها. لذا فإن اهتمام اخنوش بالطبقة الوسطى ينطلق من إيمانه القوي بأنها هي المحرك الوحيد الضامن لدورة اقتصادية ناجحة مع العلم أنه واثق من انها ليست وحدها من يسهم في الدورة الاقتصادية وان الطبقة الكادحة اسهامها محدود تبعا لمقولة ان المواطن البسيط همه الأول هو المواد الاساسية المدعمة من طرف الدولة، ويستعمل وسائل النقل العامة التي لا تستفيد منها شركات المحروقات، ولا ينفق على الرفاه الاجتماعي مثل نظيره في الطبقة الوسطى والبورحوازية، ولكن لا يحب أن يغيب عن أخنوش ان دينامية تحريك هذه الطبقة الكادحة عن طريق دعمها ماديا والزيادة في اجورها، سيحرك الدورة الاقتصادية الوطنية بنسبة ،65بالمائة من ديناميتها الاقتصادية وانتعاشها.(سنبين ذلك لاحقا من خلال جداول إحصائية ومقارنات)، وبالتالي فإن دعم الطبقة الكادحة سيكون محصورا في توفير مناصب شغل والرفع من الأجور وتنفيذ مقتضيات الخطاب الملكي السامي لشهر يوليوز سنة 2020 حول تعميم التغطية الصحية، بالإضافة إلى إصلاح منظومة التعليم العمومي التي تعتبر الملجأ الوحيد للطبقة الكادحة لتعليم أبنائها. العنصر الثالث في المقاربة لا يعتبر غريبا عن أخنوش لكونه وزير الفلاحة أكثر من عشر سنوات (...) ويتعلق الأمر  بالاهتمام البالغ بالتنمية المستدامة في القرى وبالتالي سيكون لبرنامج أخنوش ايقاعين وازنين الاول استراتيجي اقتصادي والثاني سوسيو اقتصادي واجتماعي، وهما معا يحركان الدينامية الاقتصادية ويضمن الاستقرار و ينهيان مسألة الاحتقان الاجتماعي التي كانت في حسبان حزب العدالة والتنمية. 

و بالعلاقة مع هذا التحليل بدا أن أخنوش قدم  برنامجا انتخابيا ينحو بهذا الاتجاه ينقصه بعض التنقيح والزيادة لكونه يوازن بين مصالح الطبقة المتوسطة والطبقة البورجوازية يعاب عليه أنه لم يشر إشارة واضحة إلى الاهتمام بالطبقة الكادحة، علما أن هذا المعطى الهام الضروري في المعادلة لا يمكن أن يغيب عن أخنوش سياسيا وانتخابيا وان غاب عنه فإنه من الحتمي أن يحضر حكوميا لأنه الجسر الذي سيعبر عليه حزب التجمع الوطني للأحرار إلى بر الجماهيرية بدون شعبوية أو خطاب سياسي متحجر.

 وبناء على ذلك إذا ما تم تبني معطيات هذا البرنامج بجدية ومصداقية فإن النجاح سيكون حليف هذه الحكومة مستقبلا. مع الإلحاح أن الفارق في ذلك بين حكومة ب. ج. د  وحكومة أخنوش ليس الخطاب الشعبوي والانتظارية التي طبعت حكومة بن كيران ومن تلاه، ولكن العنصر الحاسم في ذلك هو منطق العمل والواقعية وتوظيف الاحتياطي المالي لإنجاز المشاريع كبرى ومتوسطة وردم هوة الفوارق المعيشية بين الطبقات الاجتماعية وحتما ستنجح حكومة أخنوش في ما فشلت فيه حكومات الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والعدالة والتنمية، وبالتالي تبقى مقولة، زواج السلطة والمال يشكل خطراً، يتلوها سؤال على من يشكل زواج المال والسلطة هذا الخطر؟ فالسلطة محور لإنتاج القرار السياسي وتنفيذه والمال آليات لتحقيق البرامج والإنجازات واغلب حكومات العالم المتقدم تزاوج بين سلطة المال والسياسة معا،  ففي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أفادت كثيرا سلطة المال سلطة السياسة بل قوتها وعززت إمكاناتها الاقتصادية والمالية وحققت سيادتها الوطنية. لذا فعبارة " زواج المال بالسياسة" هي اصطلاح اعتباطي أطلقه حزب العدالة والتنمية وتبنته بعض الأحزاب الأخرى جزافا وهو في الأصل رد فعل سيكولوجي جاء نتيجة خوف بنكيران من الزحف الليبرالي لحزب التجمع الوطني للأحرار وحلفه الاقتصادي الذي هدد بانتزاع الحكومة من خصومه طال الزمن او قصر.

وبمجرد التساؤل أليس المال هو الوسيلة الوحيدة للتغيير  وان الشعارات السياسية والاجتماعية تبقى مطالب في صلب أيديولوجية الأحزاب غير الليبرالية؟ وهل يمكن تطبيق أي برنامج اقتصادي دون موافقة اللوبي الاقتصادي المالي والبرجوازي؟ أن اقوى حزب في المنظومة الاقتصادية بالمغرب هو الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو التنظيم الاقتصادي الذي تقف عليه هياكل الدولة وجل أقطابه سياسيون، وبفضل ضلوعهم في الجانب السياسي عليهم ان يدركوا حاجيات المجتمع و يساهموا في الحلول، الا يتطلب تشغيل الشباب موافقة سلطة المال على بناء مصانع جديدة وتحريك عجلة الاستثمار؟  علما أن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للتشغيل؟ الا يوجد ربط في الثقافة الاشتراكية نفسها بين وسائل الإنتاج والموارد البشرية وهي خير من يمثل جدلية الثروة والسلطة والمجتمع (الماركسية الجديدة). مسألة زواج السلطة بالمال هي مقولة بلاغية أنتجها الخطاب السياسي الأجوف لبن كيران، نظرا لضعف ثقافته من حيث المعرفة الأيديولوجية وفلسفة بناء الدولة، التي يقول عنها ماكس فيبر أن المال وحده لا يشكل دولة والسلطة وحدها لا تقوم بنفس الدور، الدولة تنشأ بقوة وجودها الرأسمالي، وجدنا تمثل الفكرة عند ماركس أيضا، الذي ركز الثروة والموارد في يد الدولة(البروليتاريا) وسمح لها بالتوزيع العادل لعائدات الانتاج، 

النظام الصيني الآن وجد مخرجا للثروة والسلطة وأخرج طريقا ثالثا لمسألة الاشتراكية المنفتحة اقتصاديا واجتماعيا بدون ديمقراطية، الدخل الفردي في الصين هذه السنة والسنة التي سبقتها هو الأعلى عالميا 25000 دولار  ، واقتصادها الأقل تضررا في العالم من جائحة كورونا.

سنجد حين نتحرى جدلية الثروة والسلطة، ان بينهما زواج تاريخي كاثوليكي لا ينفصم، ومن يقول غير ذلك عليه أن يتمثل ثقافة الدولة من خلال التجارب الكونية عموما. لا ينظر الآن إلى الدولة بفهمها الفلسفي المجرد كما ورد عند هيجل أو هوبز أو باركينسن أو  العروي مثلا، بل أصبح من الضروري تقييم الأفكار بمنطق الحداثة المعمول بها محاليل وخصوصا استحضار علم الاقتصاد السياسي، اذ كيف نفسر وجود أنظمة سياسية ذات عدالة اجتماعية واقتصادية وإنسانية، غير ديمقراطية؟ وكيف نواجه نظما للدولة تعتبر نفسها قمة في الديمقراطية ينخرها الفساد واللامساواة والعنصرية..؟ 

ولذا فنحن مجبرين على التعامل البراغماتي في المرحلة الراهنة وفي سياق ما تنتظره المجتمعات البشرية من تغيير مقبل،علينا أن نفكر في منظور جديد لتدبير المرحلة بعيدا عن  شعارات الأيديولوجية وفلسفة المثل وان نتعامل مع واقعنا بواقعية، المرحلة تستوجب بالنسبة للإدارة المركزية والمجتمع، الخروج من المأزق الحكومي الذي عشناه عشر سنوات جراء الارتباك السياسي الذي خلفته تجربة حزب العدالة والتنمية، والأمر الثاني له صبغة اقتصادية تقتضي العثور على حل للعديد من الأزمات التي تعاني منها البلاد وضاعفت من حدتها جائحة كورونا،

فوز التجمع الوطني للأحرار خلق ارتياحا كبيرا للإدارة المركزية وللمجتمع، للإدارة المركزية لأنه المرشح الحزبي الوحيد القادر على دعم جهود الدولة استراتيجيا، والدولة في حاجة ماسة حاليا لهذا الخيار السوسيو اقتصادي والسياسي، وللمجتمع لانه عول على برنامج سوسيو اقتصادي منقذ من شأنه أن يعيد بناء الثقة من جديد مع المواطن حسب شروط التعاقد السوسيو اقتصادي التي أبرمها أخنوش مع المجتمع والكتلة الناخبة التي راهنت عليه بفعل الوعي السياسي الذي تطور بشكل مذهل لدى الشرائح المجتمعية وان الاستحقاق الانتخابي في المغرب دخل فيه العنصر العقابي المجتمعي ضد الأحزاب التي تمرق من وعودها.