صدمة الأرجوحة: قراءة سيكولوجية في تداعيات حادث مرتيل بقلم: مصطفى توفيق كاتب وباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي

 


في مساء صيفي يفترض أن يكون مفعما بالفرح، تحول فضاء ترفيهي بمدينة مرتيل إلى مسرح لحادث مروع، إثر سقوط ثلاثة شبان من أرجوحة معلقة بسبب عطب تقني مفاجئ. الحادث الذي خلف إصابات متفاوتة الخطورة، ليس مجرد واقعة ميكانيكية أو إدارية، بل حدث يحمل في طياته انعكاسات نفسية عميقة، سواء على الضحايا المباشرين، أو على شهود العيان، أو حتى على المجتمع المحلي برمته.


1. الصدمة النفسية الأولية (Traumatisme psychique aigu)


الضحايا الذين سقطوا من الأرجوحة، وحتى أولئك الذين شهدوا المشهد، تعرضوا لما يمكن اعتباره "حادثا صادما" (événement traumatique)، وفق تعريف الطب النفسي. هذه التجربة قد تخلق ردود فعل آنية تشمل الذهول، البكاء، نوبات هلع، أو حتى فقدان مؤقت للشعور بالواقع، وهو ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة الحاد (ASD – Acute Stress Disorder).


2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)


إذا استمرت الأعراض النفسية لأيام أو أسابيع، فقد يتطور الأمر إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وقد يظهر ذلك على شكل كوابيس متكررة، تجنب أماكن الترفيه، الخوف من الأماكن المرتفعة، أو حتى رفض ركوب الألعاب مستقبلا. هذه الأعراض ليست محصورة بالضحايا فقط، بل قد تشمل أيضا أطفالا حضروا الحادث، أو حتى آباءهم الذين عاشوا لحظات من القلق الشديد على سلامة أبنائهم.


3. فقدان الإحساس بالأمان في الفضاءات العامة


الحدائق والملاهي غالبا ما ترتبط في الوعي الجمعي بمشاعر البهجة والراحة. لكن حوادث كهذه قد تخلق تصدعات في هذا الإحساس بالأمان، فيحدث نوع من "الخيانة النفسية" للمكان الذي كان من المفترض أن يمنح المتعة، فتحل محله مشاعر القلق والريبة. هذا التحول في الإدراك يمكن أن يؤثر على سلوك الأفراد، ويقلل من إقبالهم على الفضاءات العامة.


4. المسؤولية النفسية والإعلام الرقمي


الصور والفيديوهات التي تم تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورا مزدوجا. فمن جهة، تساهم في توثيق الحادث والمطالبة بالمحاسبة، ومن جهة أخرى، قد تعيد تنشيط الصدمة لدى الضحايا كلما شاهدوها، كما قد تخلق قلقا عاما وانتشارا لما يعرف بـ"العدوى العاطفية" (contagion émotionnelle)، حيث يتأثر الناس نفسيا بحالة جماعية من الخوف أو الغضب.


5. الحاجة إلى الدعم النفسي العاجل


في مثل هذه الحالات، لا يكفي العلاج الطبي للجروح الظاهرة. إن التدخل النفسي المبكر (intervention psychologique précoce) ضروري لتفادي تطور الأعراض الصدمية. حضور أخصائيين نفسيين في المستشفيات أو في فضاءات الدعم الاجتماعي قد يساهم في التخفيف من حدة التأثيرات النفسية، خاصة إذا تم توفير جلسات استماع واحتواء نفسي فوري للضحايا وأسرهم.


في الختام، حادث سقوط الأرجوحة في مرتيل يجب أن يقرأ على مستويين: مادي يتطلب تحقيقا ومحاسبة وتطويرا لوسائل السلامة، ونفسي يتطلب تفكيرا جديا في آليات دعم الأفراد المتأثرين بوقائع صادمة. فالصحة النفسية، مثلها مثل السلامة الجسدية، مسؤولية جماعية تتقاطع فيها أدوار الدولة، والمجتمع، والأسرة، والإعلام.