في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى تحسين جودة الحياة والصحة النفسية والجسدية، لا يزال نقاء الهواء الذي نتنفسه عنصرا أساسيا لا يحظى بالاهتمام الكافي. فاستنشاق الهواء النقي غير الملوث ليس مجرد ترف، بل هو حاجة بيولوجية وشرط ضروري للحفاظ على توازن الجسم وسلامة الجهاز العصبي والتنفسي.
وفي المقابل، يلجأ العديد من الأشخاص إلى استخدام مواد مثل البخور، العود القماري، الشبة، والحرمل لأغراض روحية أو تقليدية، أو لتلطيف أجواء المنازل. ومع الاحترام الكامل للتقاليد والعادات الثقافية، من المهم تسليط الضوء على ما أظهرته بعض الدراسات العلمية حول تأثير هذه المواد عند احتراقها داخل أماكن مغلقة.
الروائح العطرية ودخانها: ما لا يرى قد يضر
أظهرت دراسات طبية أن احتراق المواد العطرية داخل البيوت يؤدي إلى انبعاث جسيمات دقيقة ومواد كيميائية قد تكون ضارة عند استنشاقها بشكل متكرر، مثل أول أكسيد الكربون، الفورمالديهايد، البنزين، وبعض المعادن الثقيلة.
فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة أجرتها جامعة هونغ كونغ أن التعرض المتكرر لدخان البخور في بيئة مغلقة قد يزيد من خطر الإصابة ببعض أمراض الجهاز التنفسي، وقد يرتبط ببعض الحالات السرطانية، لا سيما في البيوت ذات التهوية المحدودة.
التأثيرات المحتملة على الصحة العامة
تشير بعض البحوث الحديثة إلى أن استنشاق الدخان الناتج عن احتراق العود القماري أو الشبة أو الحرمل قد يؤدي إلى زيادة الإجهاد التأكسدي داخل الجسم، ما يضعف الجهاز المناعي، وقد يعيد تنشيط بعض الخلايا غير الفاعلة، بما فيها تلك المرتبطة بالأمراض المزمنة. كما أن بعض المركبات المنبعثة قد تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وتسبب أعراضا مثل الصداع، الدوخة، ضعف التركيز، وربما اضطرابات في المزاج أو النوم.
مثال ميداني واقعي
أفاد تقرير طبي في إحدى المستشفيات الجامعية بالمغرب عن حالة طفل يبلغ من العمر تسع سنوات نقل إلى قسم الطوارئ بعد تعرضه المطول لدخان "الشبة المحروقة" في جلسة تقليدية. وبعد الفحص، تبيّن أن الطفل يعاني من اضطرابات عصبية نتيجة التعرّض المكثف لغازات مهيجة داخل بيئة مغلقة.
نحو بيئة صحية أكثر توازنا
من أجل حماية صحتنا وصحة أفراد أسرنا، يُوصى بما يلي:
تهوية المنازل بشكل دوري.
استخدام النباتات المنزلية لتحسين جودة الهواء.
تجنب إحراق أي مواد عطرية في الأماكن المغلقة، خاصة بوجود الأطفال أو الأشخاص الذين يعانون من مشكلات تنفسية.
مع التأكيد على أن اللجوء إلى الروائح الطبيعية لا يعني بالضرورة الأمان الصحي، خصوصا عندما يتم حرقها وإطلاق مكوناتها في الهواء.
في الختام، يبقى الهواء النقي من أبسط وأهم النعم التي يمكن الحفاظ عليها من خلال الوعي وتعديل بعض الممارسات اليومية. واحترامنا للتقاليد لا يجب أن يمنعنا من مراجعتها في ضوء المعرفة العلمية والصحية المعاصرة. فلنمنح أنفسنا وأحبابنا فرصة تنفس هواء صحي، خال من الملوثات، ونتبنى عادات بيئية تعزز جودة الحياة والوقاية من الأمراض.