حوار مع الكاتب مصطفى توفيق: "المرض النفسي... تجربة إنسانية لا عيب فيها، بل تستحق الفهم والدعم"

 





أجرى الحوار: مدير جريدة صوت الصحافة الأستاذ خالد أمين 


في ظل تزايد الاهتمام بقضايا الصحة النفسية، برز إصدار جديد يحمل عنوان "قصص من أعماق النفس: نافذة على الاضطرابات النفسية والعقلية"، وهو عمل أدبي سيكولوجي للكاتب والباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي المصطفى توفيق. في هذا الكتاب، يغوص توفيق في أعماق النفس البشرية من خلال قصص قصيرة تتناول معاناة أفراد يعيشون اضطرابات نفسية مختلفة، بمنظور إنساني بعيد عن الوصم. كان لنا هذا الحوار معه:


س: بداية، كيف نشأت فكرة الكتاب؟

المصطفى توفيق: جاءت الفكرة من تجربتي الأكاديمية والإنسانية. لاحظت أن الكثير من المعاناة النفسية تمر دون فهم حقيقي، ويعيشها الناس في صمت. أردت أن أقرب القارئ من هذه المعاناة بطريقة فنية، تدمج بين العمق النفسي والطرح الأدبي السيكولوجي 


س: لماذا اخترت القصة القصيرة كشكل فني لعرض هذه الاضطرابات؟

اخترت القصة القصيرة السيكولوجية، التي تركز على العالم الداخلي للشخصيات: أفكارهم، ومشاعرهم، وصراعاتهم، اضطراباتهم النفسية والعقلية، أو تقلباتهم العاطفية.

يركز هذا النوع من القصص على المشاعر الخفية، الهواجس، القلق، الصدمات النفسية …

حيث تصبح الشخصيات محورا أساسيا، وترسم بعمق داخلي.

غالبا ما يستخدم المونولوج الداخلي خاصة في القصة والرواية السيكولوجية، لتصوير الأفكار والمشاعر التي تدور داخل ذهن الشخصية دون أن تقولها بصوت مرتفع أو تظهرها للآخرين.

بمعنى آخر، هو صوت الذات الداخلية للشخصية، حيث نسمع أو نقرأ ما تفكر فيه، كما لو أننا داخل عقلها.

هنا، الزمن والمكان قد يكونا غير محددين، أو غير مهمين مقارنة بالزمن النفسي، الذي تعيشه الشخصية في وعيها أو لاوعيها، وهو غير خاضع للترتيب الزمني الواقعي. فقد تعيش الشخصية في لحظة قصيرة واقعا، لكن داخليا تعيش رحلة طويلة من التفكير، التذكر، أو المعاناة. على سبيل المثال، امرأة تنتظر في المستشفى لمدة عشر دقائق، لكن خلال هذا الانتظار، تسترجع في ذهنها عشر سنوات من المعاناة النفسية.(الزمن الواقعي: 10 دقائق. الزمن النفسي: 10 سنوات)

الهدف من القصة السيكولوجية هو سبر أغوار النفس، طرح أسئلة عن الهوية، الذات، الألم النفسي…


س: هل استندت القصص إلى وقائع حقيقية؟

بعضها مستوحى من وقائع عايشتها أو قرأت عنها، وبعضها مبني على حقائق نفسية. لكنني حرصت على احترام خصوصية أي تجربة، فالمهم هو التعبير عن الألم الإنساني بصدق، وليس إعادة سرد تفاصيل واقعية.


س: ما أكثر اضطراب نفسي أثر فيك أثناء الكتابة؟

الاكتئاب بلا شك. هو اضطراب صامت، لا يترك آثارا جسدية لكنه يفتك بما هو سيكولوجي. حاولت أن أنقل إحساس الشخص المكتئب، الذي يبدو طبيعيا من الخارج، لكنه غارق في داخله.


س: ما الرسالة التي تحملها هذه القصص؟

رسالتي أن الاضطرابات النفسية والعقلية لا تقصي الإنسان من إنسانيته، بل هي جزء من تجربة بشرية معقدة. أردت أن أنقل معاناة من يعيشون خلف الأسوار الصامتة، وأن أقول للقارئ: لا تحكم، تعاطف، لا تهمش.


س: وهل لقي الكتاب صدى بعد نشره؟

نعم، الحمد لله. وصلني الكثير من الرسائل من قراء قالوا إنهم وجدوا أنفسهم في بعض القصص. وبعض المتخصصين في علم النفس اعتبروا الكتاب مساهمة فنية في التوعية النفسية بأسلوب غير مباشر.


س: كم استغرق وقت تأليف وإصدار الكتاب؟

استغرق مني تأليف الكتاب ما يقارب ثلاثة سنوات، لكن يمكنني القول إن عملية الكتابة لم تكن محصورة في عامل الوقت فقط، بل في النضج الفكري والعاطفي اللازمين لمعالجة مواضيع نفسية بهذا العمق.

أما مرحلة النشر والإعداد الطباعي فقد تطلبت وقتا إضافيا لتنسيق النصوص واختيار الشكل النهائي الذي يليق بالقارئ.

بمعنى آخر، الكتاب ليس مجرد مجموعة من القصص، بل خلاصة تجربة امتدت على مدى سنوات من التأمل، والبحث، والاستماع إلى الإنسان في ضعفه وفي مقاومته.


س: هل من مشاريع جديدة في الأفق؟

أفكر في عمل روائي أوسع يستكمل نفس التوجه، وربما أعمل على تحويل بعض القصص إلى سيناريوهات درامية إذا سنحت الفرصة.


س: متى سيتم حفل توقيع كتابك الجديد؟

أعتقد أن حفل التوقيع سيقام ان شاء الله في شهر ماي 2025 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، وذلك بتنسيق مع عمادة الكلية. ويشرفني أن يشارك معي في الحفل الدكتور عبد الحي الكمري، الأخصائي في جراحة أمراض الدماغ والعمود الفقري الذي ساهم في كتابة تقديم الكتاب، كما أعتز بمشاركة استاذي الدكتور عبد الرحيم تمحري، أستاذ التعليم العالي في علم النفس والتربية بجامعة عبد المالك السعدي-تطوان- ، الذي تفضل بكتابة التصدير. إن هذا الحفل يشكل بالنسبة لي لحظة مميزة لمشاركة ثمرة مجهودي مع زملائي وقرائي، وأتطلع إلى لقائكم جميعا في هذا الحدث الثقافي.



كلمة أخيرة؟

أدعو كل قارئ إلى أن يمنح نفسه فرصة لفهم النفس البشرية بعيدا عن الأحكام المسبقة. وأن يتذكر أن خلف كل تصرف "غريب" أو "غير مفهوم"، قد يكون إنسان يطلب النجدة... بصمت.