ندوة علمية بطنجة تسلط الضوء على دور التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تجويد حياة أفراد التوحد وأسرهم

 



احتضنت قاعة الندوات بمقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة طنجة تطوان الحسيمة، يوم الثلاثاء 29 أبريل 2025، ندوة علمية متميزة تحت عنوان: "دور التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تطوير الحلول المبتكرة لتجويد حياة أفراد التوحد وأسرهم"، وذلك بحضور نخبة من الأكاديميين، الأطباء، والفاعلين الجمعويين، إلى جانب أسر الأطفال في وضعية توحد


أدار هذه الندوة باقتدار الدكتور مصطفى الغاشي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل سابقا، الذي أكد في كلمته الافتتاحية على أهمية استثمار الذكاء الاصطناعي في خدمة الفئات الهشة، خاصة أطفال التوحد الذين يحتاجون إلى رعاية متعددة الأبعاد.


وقد شهد اللقاء العلمي مداخلات رفيعة المستوى، حيث تحدث الدكتور محمد حسون، الطبيب المختص في الطب النفسي للطفل والمراهق، عن الأبعاد التشخيصية والعلاجية للتوحد، مؤكدا على ضرورة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كوسيلة للمساعدة في التشخيص المبكر وتحليل السلوكيات النمائية.


أما الدكتورة يسرى التازي، أستاذة وباحثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، فقد قدمت عرضا أكاديميا حول أهمية الذكاء الاصطناعي في دعم الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد. تم استعراض التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي مثل الروبوتات التعليمية والبرامج التفاعلية، مع التركيز على كيفية مساهمة هذه الأدوات الذكية في تطوير مهارات التواصل، تعزيز الاستقلالية، وتحسين جودة الحياة لهذه الفئة


الدكتورة يسرى التازي 
.


وفي ختام المداخلة، أكدت الدكتورة التازي على أن دمج الذكاء الاصطناعي في تدريب المهارات الاجتماعية يعد من الأساليب الحديثة التي تعتمد على تقنيات مثل الواقع الافتراضي (VR) لتوفير تدخلات تعليمية مخصصة ودعم تنظيم المشاعر. كما أضافت أن تطبيق هذه التقنيات يتطلب مراعاة الجوانب الأخلاقية وضمان الخصوصية، بالإضافة إلى ضرورة التعاون بين المتخصصين والمعلمين لتوفير تجربة آمنة وفعالة للأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد.


ركز الدكتور حافظ الحواز، أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي، في مداخلته على مبدأ التقائية أهم الخوارزميات التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي مع معطى التشخيص الحقيقي والدقيق للتوحد. كما أسهب في الحديث عن إمكانية استغلال الذكاء الاصطناعي في إعداد بنك معلومات يسهل عمليات التشخيص، ويسرع من تلك الخاصة بتقييم وتقويم نتائج الوصفات العلاجية لكل حالة على حدة. وأوضح أن هذه التقنيات تساهم في برمجة متوازنة وسريعة لعدد من الحالات المضطربة


يمين الصورة: الدكتور حافظ الحواز 
.

وفي ختام مداخلته، عاد الدكتور الحواز إلى الحديث عن منشأ الاضطراب، مشددا على أنه ذو أساس نفسي ينبغي العودة إليه، مبينا أن المرجعيات الأخرى التي تقاربه تظل مساعدة في التخفيف من الحالة، لكنها لن تقود إلى علاج حقيقي ما لم يركز على المعطى الوجداني للطفل، الذي يعيش – حسب تعبيره – حالة فطام ثانية بعد الأولى التي يمر بها كل فرد في الحياة.


الأستاذ عبد العظيم الجبيلي 



وقد أغنى النقاش كذلك الأستاذ عبد العظيم الجبيلي، مؤسس مركز الرعاية المتخصص في التدخل المبكر للتوحد بطنجة، من خلال عرض تجربة ميدانية ناجحة تبرز فعالية استخدام التطبيقات الرقمية والروبوتات التفاعلية في برامج التدخل المبكر.


كما ساهم الدكتور سعد أبو نار، أستاذ باحث في علم الاجتماع، بتحليل سوسيولوجي دقيق لواقع أسر التوحد، داعياً إلى ضرورة مراعاة السياقات الاجتماعية والاقتصادية في تصميم الحلول التقنية.


وشارك في الندوة أيضا الدكتور عبد العالي مرنيسي، طبيب صيدلاني وأخصائي تغذية، حيث شدد على أهمية التغذية السليمة كأساس مكمل للتدخلات النفسية والتقنية، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورا في تتبع الحمية الغذائية الملائمة لحالات التوحد.


كما تميزت الندوة بمداخلة الدكتور مصطفى الزياني، الأستاذ الجامعي بكلية العلوم والتقنيات بطنجة، الذي أبرز التحديات التقنية المرتبطة بتصميم برمجيات مخصصة لفئة التوحد، مؤكدا على ضرورة العمل المشترك بين الجامعات ومراكز البحث والجمعيات المتخصصة.



ومن الجانب الفكري والثقافي، أضاف الدكتور جعفر الوهابي، الباحث في النقد الحديثي، بعدا قيميا وروحيا لموضوع التوحد، مبرزا أهمية إدماج الأبعاد الإنسانية في تصميم المشاريع التقنية


واختتم الدكتور محمد علاوة، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، بكلمة حول الإطار القانوني والتشريعي لحماية حقوق أطفال التوحد وأسرهم، داعيا إلى مراجعة السياسات العمومية لتتلاءم مع التطور التقني الحاصل في هذا المجال.


وقد شكلت هذه الندوة العلمية منصة للتفكير الجماعي والبناء المشترك من أجل مستقبل أكثر إشراقا للأطفال ذوي التوحد، من خلال تسخير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لخدمة الإنسان. وقد خرجت الندوة بتوصيات عملية، من بينها الدعوة إلى إنشاء منصة وطنية لتقاسم التطبيقات الناجحة، وتكثيف التكوينات الموجهة للمهنيين والأسر، والعمل على تمويل مشاريع بحثية ميدانية في هذا المجال الحيوي



وفي ختام الندوة، فتح باب النقاش أمام الحضور الكريم، حيث عبر عدد من الطلبة الباحثين والاساتذة ، عن تفاعلهم الكبير مع مضامين المداخلات، وطرحوا تساؤلات عميقة ومقترحات عملية همت سبل تحسين الدعم النفسي، وتيسير الولوج إلى التقنيات الحديثة، خصوصًا في المناطق ذات البنية التحتية المحدودة. كما تم التطرق إلى أهمية إشراك الأسر في عملية تطوير الحلول الرقمية، وتوفير تكوين مستمر لهم، باعتبارهم شركاء أساسيين في مسار التأهيل والإدماج.


وقد شكلت هذه الجلسة التفاعلية لحظة إنسانية قوية، عكست حجم التحديات التي تواجهها أسر أطفال التوحد، لكنها أبرزت أيضا حجم الأمل المعقود على التقدم العلمي والتقني في إحداث تغيير نوعي في حياتهم اليومية