"هل يشفى الإنسان تماما؟"… خمسة أطباء نفسيين يجيبون بصراحة لافتة بقلم مصطفى توفيق باحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي

 


في سؤال بسيط ووجيه وجه لخمسة أطباء نفسيين من جنسيات غربية، طلب منهم أن يجيبوا بكل شفافية: "كم عدد المرضى الذين ساعدتم في علاجهم؟" فجاءت أجوبتهم مفاجئة، صريحة، وربما صادمة للبعض، لكنها تحمل في طياتها عمقا إنسانيا ومهنيا يستحق الوقوف عنده.


الطبيبة النفسية الأولى، بابتسامة خفيفة، أجابت: "سأقول ربما واحدا."


أما الطبيب الثاني، فاجاب بابتسامة: "حسنا، لا توجد علاجات حقيقية حاليا في الطب النفسي"


أما الطبيب الثالث، فابتسم بدوره وقال: "لا أعتقد أن أيا منا يشفى تماما"


في حين صرح الطبيب الرابع قائلا: " لم أتمكن من علاج الكثير من المرضى."


وجاءت إجابة الطبيب الخامس مبتسما: " لم أعالج أيا من مرضاي"



قراءة بين السطور: تواضع معرفي واعتراف بحدود العلاج النفسي


في ظاهرها، تبدو أجوبة الأطباء الخمسة صادمة، خاصة للقارئ الذي يربط مهنة الطب النفسي بالشفاء المباشر والحلول الجذرية، لكن نظرة أعمق تكشف عن مستوى عال من الصدق المهني والتواضع المعرفي، وربما أيضا عن فلسفة وجودية تحكم نظرتهم للإنسان، للمعاناة، وللصحة النفسية.


"ربما واحدا"، تقول الطبيبة الأولى، وكأنها تؤكد أن الأثر الحقيقي في حياة إنسان واحد قد يكون أعظم من آلاف الجلسات. ليس لأن الآخرين لم يستفيدوا، ولكن لأن التحول العميق في النفس البشرية لا يمكن تقديره بالأرقام.


أما الطبيب الثاني، بقوله "لا توجد علاجات حقيقية حاليا"، فهو لا ينفي وجود تدخلات ناجعة، بل ينتقد – ربما – النزعة الطبية الصلبة التي تحاول اختزال الاضطرابات النفسية في وصفات دوائية أو بروتوكولات جاهزة، متغافلة عن تعقيد التجربة الإنسانية.


الطبيب الثالث يذهب أبعد حين يقول: "لا أعتقد أن أيا منا يشفى تماما". هنا يظهر البعد الفلسفي للنفس، باعتبار أن الإنسان في سعي دائم نحو التوازن، وأن المعاناة جزء من هذا الوجود. الشفاء، بحسب هذا التصور، ليس نهاية خط مستقيم، بل هو سيرورة، حركة، وإعادة بناء مستمرة.


الطبيب الرابع يؤكد بواقعية: "لم أتمكن من علاج الكثير من المرضى". في هذا القول صدق يندر في المهن الأخرى، واعتراف ضمني بأن الطبيب النفسي لا "يعالج" بمفرده، بل يرافق، يُنصت، يمكن، ويترك الباب مفتوحا أمام قدرة الشخص نفسه على الشفاء.


أما الطبيب الخامس، فيختم بإجابة تبدو حاسمة: "لم أعالج أيا من مرضاي". لكنه، في واقع الأمر، يعيد صياغة سؤال العلاج نفسه: من يُعالج من؟ وهل الطبيب هو الفاعل الوحيد في عملية التغيير؟ إن هذا القول يعكس نظرة إنسانية عميقة للعلاج النفسي بوصفه علاقة تشاركية، لا علاقة خبير يتحكم بمريض.


في المحصلة، تحمل هذه الأجوبة رسالة صريحة

:

الطب النفسي ليس سحرا، بل مرافقة إنسانية عميقة، تحمل الأمل، وتحتفي بالهشاشة كجزء من كينونتنا.

ووراء كل إجابة، تقف سنوات من الإصغاء، الصمت، والانكسارات، لكن أيضا لحظات صغيرة من التحول، تلك التي لا تقاس، لكنها تغيّر الحياة.


في الختام، قد تكون هذه الأجوبة دعوة للتواضع، للتأمل، ولإعادة النظر في معنى الشفاء… ليس بوصفه نهاية، بل بداية لفهم أعمق للذات 




https://www.facebook.com/share/r/1HUcwnqKhy/.