يعد التدمير الذاتي ظاهرة نفسية معقدة تتجلى في سلوكيات تؤدي إلى إيذاء النفس بشكل مباشر أو غير مباشر. قد يكون هذا الإيذاء جسديا، كما هو الحال في الإدمان وإيذاء النفس، أو نفسيا واجتماعيا من خلال قرارات تؤدي إلى الفشل أو العزلة. ولطالما اهتم علماء النفس بتحليل هذه الظاهرة، حيث قدموا تفسيرات متنوعة من خلال نظريات التحليل النفسي، والسلوكية، والمعرفية.
التدمير الذاتي في علم النفس
1
( التفسير التحليلي النفسي (سيغموند فرويد)
"يرى فرويد أن التدمير الذاتي مرتبط بمفهوم "غريزة الموت
Thanatos
وهي غريزة داخلية تدفع الإنسان نحو التدمير والفناء، وتتناقض مع "غريزة الحياة
Eros
وفقا لهذا المنظور، فإن بعض الأفراد يظهرون سلوكيات تدميرية نتيجة لصراعات داخلية غير واعية، مثل الشعور بالذنب أو الحاجة إلى العقاب. على سبيل المثال، شخص يعاني من شعور بالذنب بسبب أخطاء سابقة قد يسعى لا شعوريا إلى معاقبة نفسه من خلال الفشل المتكرر في العمل أو الدخول في علاقات سامة وغير طبيعية.
2
التفسير السلوكي (سكينر وباندورا)
يركز السلوكيون، مثل بورهوس فريدريك سكينر وألبرت باندورا، على تأثير التعلم والتعزيز في تشكيل السلوك التدميري. يرى سكينر أن التدمير الذاتي قد يكون نتيجة لتعزيز سلبي، حيث يتم مكافأة الشخص بطريقة غير مباشرة على سلوكه التدميري، مثل تلقي الاهتمام عند الشعور بالاكتئاب أو القلق.
أما باندورا، فيشير إلى دور "التعلم بالملاحظة"، حيث يكتسب الأفراد السلوكيات التدميرية من خلال نماذج سلبية في بيئتهم. على سبيل المثال، طفل نشأ في بيئة أسرية مليئة بالعنف قد يتعلم أن السلوك التدميري هو وسيلة للتعامل مع الإحباط والضغوط.
3
التفسير المعرفي (آرون بيك وألبرت إليس)
يرى علماء النفس المعرفيون أن التدمير الذاتي ينشأ عن أنماط تفكير سلبية، مثل التفسيرات الكارثية للأحداث، والشعور بعدم الكفاءة، والمعتقدات الذاتية الهدامة.
يؤكد آرون بيك، من خلال نظريته في الاكتئاب، أن الأشخاص الذين يعانون من "الثالوث المعرفي السلبي" (نظرة سلبية للذات، المستقبل، والعالم) يكونون أكثر عرضة لسلوكيات التدمير الذاتي. أما ألبرت إليس، فيشير إلى أن الأفكار غير المنطقية تلعب دورا أساسيا في هذه السلوكيات. على سبيل المثال، شخص يفشل في امتحان ما قد يفسر ذلك بأنه "عديم الفائدة" و"لن ينجح أبدا"، مما يدفعه إلى الإحباط وتجنب المحاولة مجددا.
أشكال التدمير الذاتي
أن يتجلى التدمير الذاتي في عدة صور، منها
الإدمان: مثل إدمان المخدرات والكحول، الذي يؤدي إلى تدمير الصحة والعلاقات الاجتماعية.
إيذاء النفس: مثل جرح الجلد أو حرقه، وهو سلوك يرتبط بالاضطرابات العاطفية.
الفشل المتعمد: تجنب النجاح أو السعي المستمر إلى الإخفاق بسبب الخوف من التغيير أو النجاح.
الدخول في علاقات سامة: اختيار شركاء مسيئين أو البقاء في بيئات غير صحية.
استراتيجيات العلاج والتدخل
يمكن التعامل مع التدمير الذاتي من خلال عدة مقاربات علاجية:
1
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد في تغيير أنماط التفكير السلبية وتطوير استراتيجيات إيجابية لحل المشكلات.
2
العلاج النفسي الديناميكي: يساعد على فهم الجذور العاطفية للسلوك التدميري ومعالجتها.
3
التدخلات السلوكية: مثل تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقليل التعزيز السلبي للسلوكيات التدميرية.
4
الدعم الاجتماعي: بناء علاقات إيجابية يساعد في تقليل العزلة وتعزيز الثقة بالنفس.
في الختام، يعد التدمير الذاتي ظاهرة معقدة تنجم عن عوامل نفسية وبيئية متشابكة. وقد وفرت نظريات علم النفس فهما عميقا لأسباب هذه السلوكيات وأساليب التعامل معها. ومن خلال الوعي والعلاج، يمكن للأفراد التغلب على أنماط التدمير الذاتي وتحقيق حياة أكثر صحة وتوازنا