قراءة في تصدير الدكتور تمحري عبد الرحيم لكتاب "قصص من أعماق النفس: نافذة على الاضطرابات النفسية والعقلية" لكاتبه المصطفى توفيق

 



يأتي تصدير الدكتور عبد الرحيم تمحري لهذا الكتاب في سياق اهتمامه العميق بعلم النفس الإكلينيكي، وحرصه على تشجيع الجهود البحثية الجادة التي تساهم في نشر المعرفة النفسية وترسيخها في المغرب. يعكس هذا التقديم أبعادا فكرية وتربوية تتجاوز مجرد التعريف بالكتاب، ليصبح نصا نقديا وتأمليا في آن واحد، يحفر في إشكاليات أكاديمية واجتماعية وثقافية متداخلة


بين التقدير الشخصي والالتزام الأكاديمي


يبدأ الدكتور تمحري تصديره بإشارة شخصية إلى امتناعه عن كتابة التقديمات والتصديرات منذ أكثر من عقدين، مما يمنح هذا التقديم أهمية خاصة، كونه استثناء في مساره العلمي الطويل. هذا الامتناع لم يكن عبثا، بل جاء نتيجة انشغالات أكاديمية مكثفة، وموقف نقدي تجاه بعض الممارسات الأكاديمية التي قد تتحول إلى مجرد مجاملات شكلية. ومع ذلك، فإن استجابته لطلب الباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي المصطفى توفيق تنبع من قناعة فكرية وأخلاقية بأهمية دعم المبادرات البحثية الجادة، خصوصا في مجال علم النفس الإكلينيكي، الذي ظل يعاني من التهميش لعقود طويلة في المغرب


أهمية علم النفس الإكلينيكي في السياق المغربي


يشير الدكتور تمحري إلى التأخر الكبير الذي عرفه تأسيس شعبة علم النفس الإكلينيكي في الجامعات المغربية، خاصة في الجهة الشمالية، حيث لم تر هذه الشعبة النور إلا بعد أكثر من أربعين سنة من تأسيس الجامعة. هذا التأخر لا يعكس فقط إشكالية أكاديمية، بل يعكس غياب وعي مؤسساتي بأهمية الصحة النفسية في بناء مجتمع متوازن. ومن هذا المنطلق، يرى أن دعم أي عمل أكاديمي في هذا المجال ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة أخلاقية وعلمية لتعزيز حضور هذا التخصص وتمكينه من أداء دوره في المجتمع


الجامعة بين البحث الأكاديمي والمسؤولية المجتمعية


ينطلق الدكتور تمحري من رؤية تعتبر أن الجامعة ليست مجرد فضاء لإنتاج المعرفة الأكاديمية المجردة، بل هي مؤسسة مسؤولة عن تحرير العقول والنفوس، والمساهمة الفعالة في تطوير المجتمع. في هذا السياق، يشير إلى أن الأستاذ الجامعي لا ينبغي أن يكون مجرد موظف يؤدي مهاما روتينية، بل يجب أن يكون مثقفا فاعلا يسعى إلى التغيير والتأثير الإيجابي في محيطه. ومن هذا المنطلق، فإن دعمه للباحث المصطفى توفيق لم يكن مجرد تشجيع فردي، بل هو جزء من رؤية أشمل تسعى إلى تحفيز البحث العلمي الجاد، ومواجهة النزعات الانتهازية والوصولية التي قد تسود في بعض الأوساط الأكاديمية


نحو دمقرطة المعرفة النفسية


يؤكد الدكتور تمحري في تصديره على أهمية نشر الثقافة النفسية وجعل المعرفة الإكلينيكية في متناول الجميع، وذلك في مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع المغربي. في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العصر الحديث، والتي أدت إلى تصاعد الضغوط النفسية، وتزايد الاضطرابات السلوكية، وتفاقم مشكلات الإدمان والانتحار والتفكك الأسري، تصبح المعرفة النفسية ضرورة ملحة وليست مجرد ترف أكاديمي. ويرى الدكتور تمحري أن "قصص من أعماق النفس: نافذة على الاضطرابات النفسية والعقلية" لكاتبه المصطفى توفيق يأتي في هذا السياق، حيث يسعى إلى تقديم المعرفة النفسية بطريقة ميسرة، تجعلها في متناول القارئ العادي، وليس فقط المتخصص


أهمية العمل الجماعي في البحث الإكلينيكي


يشير الدكتور تمحري إلى أن أحد التحديات التي تواجه البحث في علم النفس الإكلينيكي في المغرب هو غياب العمل الجماعي المنهجي، الذي يسمح بتراكم المعرفة وتطويرها. في هذا السياق، يثني على بعض المبادرات الحديثة التي تتبنى مقاربات جماعية في البحث الإكلينيكي، مثل الكتاب الجماعي "علم النفس الإكلينيكي في مواجهة الأعراض المعاصرة"، ويأمل أن تشجع مثل هذه الأعمال الباحثين المغاربة على تبني مقاربات مماثلة، تساهم في تعزيز البحث العلمي، بعيدا عن الفردانية والتوجهات الانتهازية


الكتابة كمسؤولية معرفية وأخلاقية


يختتم الدكتور تمحري تصديره بالتأكيد على أن الكتابة ليست مجرد فعل تقني، بل هي مسؤولية معرفية وأخلاقية تتطلب الإخلاص والوفاء والتجرد. وهو يستشهد بآيات قرآنية وأقوال فلسفية تعكس هذه الرؤية، مؤكدا أن الكتابة، خصوصا في مجال علم النفس الإكلينيكي، يجب أن تكون فعلا ملتزما يسعى إلى خدمة الحقيقة والعلم والمجتمع


في الختام، يقدم تصدير الدكتور تمحري عبد الرحيم لكتاب "قصص من أعماق النفس" شهادة علمية وأخلاقية تعكس التزامه العميق بقضايا المعرفة والسيكولوجيا والمجتمع. إنه ليس مجرد تقديم لكتاب، بل هو نص فكري غني بالتحليل والنقد والتأملات، يفتح آفاقا للنقاش حول دور الجامعة، ومسؤولية الأستاذ، وأهمية علم النفس الإكلينيكي في السياق المغربي. ومن خلال دعمه للباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي المصطفى توفيق، يرسخ الدكتور تمحري نموذجا للأستاذ الجامعي الذي لا يكتفي بدوره الأكاديمي التقليدي، بل يسعى إلى الإسهام الفعلي في تطوير مجاله، ودعم الأجيال الصاعدة من الباحثين