مصطفى توفيق يكتب: متنوعات حب الوطن في العالم المعاصر

 



ماذا يعني أن تكون وطنيا؟

للرد على هذا السؤال، لابد من استيعاب الطريقة التي تفهم بها الوطنية وتُختبر في المجتمعات المختلفة قيد الدراسة، حيث تختلف اختلافًا كبيرًا من سياق إلى آخر ، لذا من الأفضل التحدث عن "الوطنية" بصيغة الجمع، وبعيدًا عن تحويل الوطنية إلى هتافات و شعارات تستعمل من أجل كسب المنافع أو المصلحة الضيقة، ذلك أن الدراسات المتعلقة بالوطنية تتصور عمومًا على أعلى مستوى من العمومية على أنها خاصية تشمل الممارسات الاجتماعية والسياسية للدولة، كما أكدت "تريسي راني" في مساهمتها ، حيث ترى معظم أبحاث العلوم السياسية حول الوطنية أنها تستخدم وأحيانًا تحرض عليها الدول لتشجيع التماهي مع المجموعة الوطنية بهدف بناء مجتمع سياسي متماسك، و من أجل غرس هذا الشعور بالارتباط بالوطن مهما كانت طبيعته ، ذلك أن الدول تمتلك مجموعة متنوعة من الموارد الرمزية التي تربط الماضي بالحاضر، و نذكر من بينها، التقاليد والسرد والأساطير والرموز الوطنية، مما يساهم في بناء مساحة عامة تؤكد على التوافق، و لذلك قد تكون الوطنية مسألة تقاليد ولكنها أيضًا مشروع دستوري ، كما أشار "يورغن هابرماس" ، يُنظر بشكل متزايد إلى المواطنة والهوية الوطنية على أنهما مفهومان منفصلان، و في كتاب صدر حديثًا ، يناشد ماوريتسيو فيرولي "الفضيلة المدنية" ، وهي تعبير عن "المثل الأعلى للناس عن حب الوطن"، و من منظور غير حكومي ، اتخذت إحدى الدراسات الحديثة مقاربة اجتماعية للوطنية من أجل الكشف عن جانبها اليومي، و قد تتقارب هذه الدراسات مع نهج مايكل بيليج "للقومية المبتذلة" والعمل الأخير الذي ألهمته في فرنسا، وتذكرنا مفاهيم القومية المبتذلة والوطنية "بالثقافة العادية للغاية" التي أثارها "ميشيل دي سيرتو" لإلقاء الضوء على هياكل المجتمع من خلال تحليل الحياة اليومية، حيث يكشف علم اجتماع الوطنية عن أشكال "الوطنية من الأسفل" التي يمكن أن تتطور بشكل مستقل أو جنبًا إلى جنب مع نظيراتها التي ترعاها الدولة، و بالاعتماد على الدراسات النوعية ، فإنه يلقي الضوء على المواقف الفردية الموصوفة بالوطنية ويضعها في سياق الأنشطة الاجتماعية الأخرى للأفراد، وهكذا تأخذ الوطنية جانبًا من "مجموعة الأدوات" التي يستمد منها الفاعلون مراجع مختلفة في بناء استراتيجية عملهم،  

و بالرجوع إلى مقدمة هذا المقال الذي يسلط الضوء على متنوعات حب الوطن في العالم المعاصر، فلا بأس هنا أن نتحدث عن الأشكال المختلفة التي تمارس من خلالها  الدول ممارسة الوطنية، حيث يميل الجيش والخدمة العسكرية على تقوية الوطنية، وهذا هو الحال في تركيا ، حيث تلعب الخدمة العسكرية دورًا مهمًا في التدريب النظري على حب الوطن وحيث ساهمت الحرب الداخلية بين حزب العمال الكردستاني ضد القوات المسلحة التركية منذ عام 1984 في وضع الوطنية على المحك، وفي كندا ، وفي سياق يتسم بمشاركة البلاد في الحرب في أفغانستان ، حشد السكان أنفسهم لإعادة الجيش الكندي وأبطال الحرب إلى رموز الأمة، بينما يوضح هذان المثالان حيوية الوطنية التقليدية، ويأخذ الأمر مسارات أخرى في الصين ، على سبيل المثال: لقد دعت البرجوازية الحضرية الآخذة في التوسع بسرعة الدولة إلى العودة إلى التقاليد عن طريق استعادة المهرجانات التقليدية ، التي أصبحت الآن عطلات عامة، وفي الحالة الروسية ، اتخذت الوطنية مؤخرًا منحى حربيًا، ومع ذلك ، هناك مجموعة واسعة من الممارسات التي تم تحديدها على أنها "وطنية" ولكنها بعيدة كل البعد عن الوطنية التقليدية التي يجب مراعاتها هناك، وعلاوة على ذلك ، فإن هذه الممارسات غالبًا لا تتعلق بتأجيج مشاعر الانتماء الوطني بقدر ما تتعلق بالنهوض بأهداف أخرى، و في هذا الصدد يمكن القول أن خيانة الوطن جريمة لا تغتفر و لا ملاذ آمن لمن يخون وطنه....

ففي العالم العربي و خصوصا في المملكة المغربية الشريفة من طنجة العالية إلى الكويرة الغالية ، فلا معنى للحياة بدون حب الوطن والنضال من أجل وحدتنا الترابية



أكتب معنا