ندوة علمية بمرتيل تسلط الضوء على الصحة النفسية لدى الأسر: نحو وعي مجتمعي ومهني متجدد

 

وسط الصورة: الدكتور عبد الصمد المرابط، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل التابعة لجامعة عبد المالك السعدي 


شهد مقر جمعية هبة بمرتيل يوم السبت 21 مايو 2025 تنظيم ندوة علمية متميزة، خصصت لموضوع بالغ الأهمية يتمثل في الصحة النفسية لدى الأسر، من تأطير الدكتور عبد الصمد المرابط والدكتور بنيعيش، وبحضور وازن للطلبة الباحثين في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، إلى جانب مجموعة من الأمهات المهتمات بالشأن النفسي الأسري.

وقد افتُتحت الندوة بكلمة ترحيبية ألقاها الكاتب والباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، المصطفى توفيق، الذي عبر عن سعادته البالغة بهذا اللقاء العلمي، مرحبا بالحضور الكريم، وبالأستاذين المؤطرين الدكتور عبد الصمد المرابط والدكتور بنيعيش، كما نوه بالدور المجتمعي الفعال الذي تضطلع به رئيسة جمعية هبة في تنظيم مثل هذه التظاهرات العلمية الهادفة.

خلال هذه الندوة العلمية المتميزة، سلط الدكتور عبد الصمد المرابط، وهو أحد الأسماء البارزة في مجال علم النفس الإكلينيكي، الضوء على الأهمية البالغة للصحة النفسية داخل الأسرة والمجتمع، مؤكدا أن الصحة النفسية لا تقل شأنا عن الصحة الجسدية، بل تعد أساسا لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي والاجتماعي للأفراد.

وفي عرضه الذي تميز بالوضوح والبساطة العلمية، قدم الدكتور المرابط أمثلة توضيحية ملموسة، قربت الحضور، وخاصة الأمهات والطلبة، من فهم أعمق لمفهوم الصحة النفسية. فقد تحدث مثلا عن التوتر المزمن داخل الأسرة، وكيف يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في النوم، ضعف التركيز، وتراجع الأداء الدراسي أو المهني. كما ضرب مثالا آخر عن الأطفال الذين يعيشون في بيئة مشحونة بالعنف اللفظي أو العاطفي، موضحا كيف ينعكس ذلك سلبا على نموهم النفسي والاجتماعي، ويجعلهم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب في المستقبل.

وأكد الدكتور المرابط أن الصحة النفسية السليمة لا تعني غياب المرض النفسي فقط، بل تعني أيضا قدرة الفرد على مواجهة ضغوط الحياة اليومية، وبناء علاقات إيجابية، واتخاذ قرارات متوازنة. ودعا الأسر إلى الاهتمام بالجانب النفسي لأفرادها، والتوجه إلى المختصين في حال ظهور أعراض قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها قد تخفي وراءها معاناة نفسية تحتاج إلى تدخل مهني.

وقد لاقت مداخلة الدكتور المرابط تفاعلا واسعا من قبل الحضور، الذين عبّدروا عن امتنانهم للطريقة السلسة التي قدم بها المفاهيم العلمية، وجعلها قريبة من واقعهم الأسري واليومي، مما زاد من أهمية هذه الندوة التي جمعت بين التأطير الأكاديمي والتوجيه العملي.

في مداخلته، ركز المصطفى توفيق على أهمية الصحة النفسية في السياق المجتمعي المغربي، معتبرا أن الارتقاء بالصحة النفسية ضرورة لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية. كما سلط الضوء على مهنة المعالج النفسي، والدور المحوري الذي بات يلعبه في الوقاية من الاضطرابات النفسية ودعم التوازن الأسري، معلنا عن مبادرة تأسيس التنسيقية الوطنية لتقنين مهنة المعالج النفسي الإكلينيكي في المغرب، التي تسعى إلى إرساء أسس مهنية واضحة، وتوفير إطار قانوني يحمي الممارسين والمستفيدين على حد سواء.


مداخلة الكاتب والباحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي المصطفى توفيق خلال الندوة العلمية المتعلقة بالصحة النفسية 


وقد نوه الدكتور برهون في كلمته بمبادرة جمعية هبة لتنظيم هذه الندوة، مؤكدا أن مثل هذه اللقاءات تساهم في نشر الوعي النفسي وتعزيز ثقافة الوقاية والرعاية النفسية داخل المجتمع. كما أثنى على جهود كل من الدكتور عبد الصمد المرابط والدكتور بنيعيش في تأطير اللقاء، وعلى مساهمة الكاتب والباحث المصطفى توفيق في إنجاح هذا الحدث العلمي.

كانت مداخلة الدكتور برهون مناسبة للتأكيد على أهمية الانفتاح على قضايا الصحة النفسية داخل الأسرة المغربية، وعلى دور الباحثين والمهنيين في مرافقة الأسر والأفراد من أجل تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.

عرفت مداخلة الباحثة في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، إيمان خزالي، خلال الندوة العلمية التي نظمتها جمعية هبة بمرتيل، أهمية بالغة لما تطرقت إليه من قضايا جوهرية تتعلق بالصحة النفسية داخل الأسرة المغربية، حيث شددت في عرضها على أن الاهتمام بالصحة النفسية لم يعد ترفا فكريا أو موضوعا ثانويا، بل أصبح ضرورة مجتمعية ملحة تفرضها التحديات اليومية التي تواجهها الأسر والأفراد على حد سواء.

وأكدت الباحثة إيمان خزالي أن الوقاية النفسية تبدأ من الأسرة، باعتبارها الفضاء الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويتكون فيه توازنه النفسي والعاطفي. كما أشارت إلى أن التجاهل أو التقليل من أهمية الأعراض النفسية البسيطة قد يؤدي إلى تطور اضطرابات أكثر تعقيدا، وهو ما يستدعي وعيا أكبر من طرف الأسر، وخصوصا الأمهات، باعتبارهن الأكثر قربا من الأطفال في المراحل الأولى من النمو.


وقد لاقت مداخلة الباحثة إيمان خزالي تفاعلا كبيرا من الحضور، خاصة الأمهات والطلبة الباحثين، حيث أبرزت بوضوح الروابط العميقة بين الصحة النفسية والاستقرار الأسري، ووجهت رسائل قوية تدعو إلى الاهتمام بالمجال النفسي كعنصر أساسي في تنمية الإنسان والمجتمع.

وفي ختام اللقاء، تم توزيع شواهد الشكر والتقدير لفائدة طلبة إجازة التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي، تقديرا لمساهماتهم المتميزة وحضورهم الفاعل، كما التقطت صور تذكارية توثق هذا الحدث العلمي النوعي، الذي حظي بتغطية إعلامية من قبل الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال والشبكة الأورو-عربية، تأكيدا على أهمية هذا اللقاء في تعزيز الحوار حول الصحة النفسية في المجتمع المغربي.

إن هذه الندوة تشكل خطوة إيجابية نحو ترسيخ ثقافة نفسية صحية داخل الأسر المغربية، وتعكس بجلاء حاجة المجتمع إلى تكثيف مثل هذه المبادرات العلمية التي تجمع بين البعد الأكاديمي والمجتمعي.