بنسليمان... تحدي الجغرافيا ورهان التنمية بقلم الدكتورة لطيفة الهدراتي

 

الدكتورة لطيفة الهدراتي 


تعد مدينة بنسليمان من بين المدن المغربية التي تتميز بجمال طبيعتها وغنى مواردها، حيث تحيط بها مساحات خضراء وغابات تمنحها طابعا جذابا. إلا أن هذه المدينة تواجه، في الوقت الراهن، تحولات كبيرة، أبرزها ارتفاع عدد السكان والتوسع العمراني السريع، مما يستدعي وضع استراتيجية متكاملة لإعادة هيكلتها لتواكب متطلبات العصر واحتياجات ساكنتها.


من بين التحديات التي تواجهها بنسليمان، افتقارها إلى وسط مدينة متكامل؛ إذ لا تتوفر على محلات تجارية، ومراكز ثقافية، ومرافق أخرى تجمع بين الطابع المعماري الأصيل والعصري. كما تحتاج المدينة إلى إصلاحات عديدة، مثل توسيع الطرق، وصيانة الأرصفة، وإنشاء مرافق جديدة كملاعب القرب، ومستشفى جامعي، وجامعة للطلبة، ومراكز ثقافية وترفيهية، بالإضافة إلى فضاءات خضراء وأماكن مخصصة للأطفال. كما أن توفير مواقف للسيارات، ومحطات للحافلات، وسيارات الأجرة، وأسواق نموذجية، يعد من الأولويات لتحسين جودة الحياة.


يبرز الموقع الجغرافي لمدينة بنسليمان كحلقة وصل بين عدة مدن كبرى مثل الرباط، والدار البيضاء، والمحمدية، وبرشيد، مما يسهل تنقل السكان. ومع ذلك، فإن وسائل النقل العمومية الحالية، المتمثلة في سيارات الأجرة والحافلات، لا تكفي لمواكبة الاحتياجات المتزايدة. لذلك، أصبح من الضروري تزويد المدينة بشبكة جديدة وسريعة لتسهيل النقل، وتوفير الوقت، وتخفيف أعباء السفر.


تُعتبر بنسليمان أيضا مركزًا يربط بين عدة جماعات قروية في الإقليم، مثل عين تيزغة، وزيايدة، ومليلة، وسيدي بطاش، لذا من الضروري توفير الموارد المادية والبشرية لدعم هذه المناطق والحد من الهجرة القروية، من خلال تقديم الدعم للفلاحين، وضمان عيش كريم لأسرهم. فتنمية هذه الجماعات يرتبط بشكل وثيق بتطور المدينة.


في سياق آخر، يُعد إدماج الشباب في سوق الشغل من التحديات الكبرى، حيث يتطلب الأمر وضع برامج لدعم ريادة الأعمال، وتشجيع الشباب على إنشاء مقاولات صغرى تلبي احتياجات الساكنة. كما أن تقديم تكوينات للمقاولين الصغار لمواكبة متطلبات الاستثمار الحديثة، يُعد خطوة أساسية لتحفيز الاقتصاد المحلي.


كل هذه الجهود يجب أن تتماشى مع الرؤية الملكية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، والتي تؤكد على أهمية التشارك بين جميع الفاعلين: من أحزاب سياسية، ومؤسسات عمومية، ومجتمع مدني، ومقاولات كبرى، من أجل تحقيق الأهداف التنموية المرسومة.


فبنسليمان، بموقعها وطاقاتها، قادرة على أن تكون نموذجا للتنمية المتوازنة، شرط أن يتم تفعيل هذه الرؤية على أرض الواقع.