النوع الاجتماعي والتنمية بقلم عادل رمز

 


من أجل تنمية اجتماعية مستدامة يجب عدم إقصاء أي طرف في هذه العملية المستمرة، التي تتطلب التكامل ورؤية مشتركة في جميع الحقول الاجتماعية ، انطلاقا من كون الفرد رغم اختلاف جنسه البيولوجي، فإن هذا الاختلاف ليس سببا موضوعيا للتمييز والتفاضل، بل هو معطى فطري لا دخل للواقع الاجتماعي في صناعته وتحديده ، كما أن السياق الزمني والمكاني وطبيعته السياسية والاقتصادية هو الذي يحدد مكانة الفرد وأدواره، لهدا فإن المعطى الثقافي له دور أساسي في هدا المنوال، كما أن الفكر المعتمد على خطاب إيديولوجي يساهم في تكريس مناخ التمييز داخل المجتمع الواحد بين الذكر والأنثى،  باعتبار أن الأنثى أقل قدرة من الذكر في العمل والإبداع مستندين في ذلك على التركيبة البيولوجية وشكل الجسد.


إن هذه النظرة الاختزالية  تجعل من المجتمع محدود في إطاره المعرفي وغير منفتح على المعطى الثقافي الذي تلعب فيه التنشئة الاجتماعية خلل على مستوى التصور الفكري للنوع الاجتماعي، ومن ثم عدم إعطاء نموذج كامل وشمولي لدور الذكر والأنثى داخل المجتمع ، فلا يمكن لأي مجتمع أن  يقتصر على الذكور في البناء الاجتماعي دون الاهتمام بالانتى، وإعطائها الحق الفعلي في المشاركة في التطور والتنمية المنشودة.

أن التنشئة الاجتماعية لها انعكاس نفسي واجتماعي على النوع الاجتماعي وتحديد إطار إنفعاله و اندماجه داخل محيطه الاجتماعي والنفسي، بحيث أن اللغة المتداولة تلعب دور محوري في إعطاء دلالات ورموز خاصة للنوع الاجتماعي وإدماجها في ذهنية الافراد على مستوى اللاشعور، حيث تنعكس على سلوكهم اليومي  بشكل ضمني خلال المواقف المختلفة.


من أجل تمكين المرأة بأدوار أساسية داخل المجتمع، يتطلب مراجعة التراث الثقافي، وخلق مناخ اجتماعي عادل بتوفير إمكانيات متساوية سواء في التعليم والتربية بحيث تكون الأفضلية ناتجة عن الكفاءة والفاعلية الذاتية، وليس على الفروقات البيولوجية فهي شريكة للذكر، وأنها حرة في اختياراتها .


ففي الواقع المعاش نجد أن المرأة تساهم بشكل كبير في تطوير وتنمية إقتصاد مجتمعها، ومن ثم رقي أسرتها على المستوى المالي وعلى المستوى الاجتماعي، فهي ركيز التماسك الأسري وتمتين الروابط الأسرية.

إن مفهوم الرجل والمرأة غير مرتبط بالعنصر البيولوجي فحسب، بل إنه مرتبط بالخصوص بثقافة مكتسبة وتراكم فكري تاريخي، مما ترتب عنه ترسيخه في العقل الجمعي للمجتمع، لهذا فالتغيير ليس مرتبط بالأساس بتغيير المناخ الاجتماعي والاقتصادي دون الاهتمام بجانب تغيير التفكير للأفراد داخل المجتمع.


من أجل هذا فمسألة التغيير جد صعبة تتطلب جهود مستمرة ومواكبة توعوية في جميع الاصعدة.


لهذا فالمجتمع المدني وخصوصا جمعيات التي تهتم بحقوق المرأة لها دور أساسي في هذا المجال.

أن المعطيات الميدانية داخل هذه الجمعيات تبين أن مشاكل الأسرة مرتبط بالجانب الثقافي وتداخل الأدوار بين الرجل والمرأة، وتقسيمها حسب مرجعية مستمدة من الأجيال السابقة التي تتمثل بأن دور المرأة الأساسي هي رعاية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية ، رغم التغيير الاجتماعي والاقتصادي مازالت هذه الأفكار مترسخة في أذهان الأفراد مما ينتج عنه إنعكاس على السلوك اليومي.

إن فلسفة الواقع الحالي يتطلب فهم الأخلاق والقيم بشكلها الكوني خصوصا في عالم يشهد العولمة في جميع المجالات،  فأصبحت المواثيق الدولية هي المرجع الأساسي للقيم والمعايير والمغرب ليس منعزلا على هذه القيم الكونية، التي تؤكد عليها وثيقة حقوق الإنسان، التي لا تميز بين الكائن الإنساني، سواء كان ذكرا أو أنثى في الحقوق والواجبات.


وأي مقاربة اجتماعية لا تأخذ هذا الجانب الكوني للقيم، حيث أن المعايير تبقى قاصرة في تحقيق التنمية المتوخاة، لأن مفهوم هذه الأخيرة مرتبطة بالمنافسة العالمية ومستوى الإنتاج، سواء على المستوى الاقتصادي أو القيمي


إن إتفاقية سيداو حول القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعها المغرب مع المجتمع الدولي تجعله ملزم على تطبيقها في الحياة الاجتماعية ،رغم أن فلسفة مدونة الأسرة مستمدة من الدين الإسلامي وبصورة أدق على المذهب المالكي، كما أن الدستور المغربي ينص على الدين الإسلامي هو مصدر التشريع مما نتج عنه صراع إيديولوجي في المجتمع المدني المغربي بين فئة ذات مرجعية دينية وأخرى حداثية تسعى إلى التغيير والانضمام إلى المجتمع الدولي.


وهذا ماجعل أصحاب القرار السياسي ليست لهم رؤية واضحة حول المستقبل

فهم ملزمين باحترام المواثيق الدولية من جهة ومن جهة أخرى الحفاظ على قيم ومعايير المستمدة من الشريعة الإسلامية، وستكون الغلبة حتميا في هذا الصراع للعقل والاجتهاد أم الايديولوجية ليس لها وجود في عالم يتطور باستمرار بفعل العلم؟