من أجل فهم مجتمع ما،يجب فهم ثقافته وجميع العلاقات التفاعلية بين أفراده،وبما أن الإنسان كائن إجتماعي فهو يكتسب كل معارفه من محيطه الاجتماعي، فهو إذن نتاج واقعه الاجتماعي، وفي نفس الوقت منتج لهدا الواقع في علاقة تبادلية يؤثر ويتأثر مع الآخر ومحيطه ، بحيت تشكل المعرفة المكتسبة خلال تنشئته الاجتماعية مصدرا لتمتلاته الاجتماعية، والذهنية التي تنعكس بالضرورة على مستوى وجدانه وسلوكه اليومي عبر عملية تواصله المستمرة مع الآخر،أي أن هذه المعرفة هي أساس كل السلوكيات الفردية والجماعية داخل المجتمع، مما يعني أن طبيعة هذه المعرفة لها دور أساسي في تعديل سلوك الفرد أو إنحرافه، ولهدا فالمعرفة المبنية على الحس المشترك، وبدون مقاربة علمية لا تعطي فعالية في مردود الفرد الفكري والنفسي والسلوكي، وهي عائق نحو تنمية المجتمع، أما المعرفة المبنية على أسس علمية فهي حافز للبحث والتجديد والنقد الذاتي، لهدا يسعى علم النفس الاجتماعي إلى فهم السلوك الإنساني انطلاقا من تحليل كيفية عمل الجماعات الإنسانية وكيفية تفاعل الفرد معها على مستواه الفكري والوجداني والسلوكي، وذلك باستثمار المعرفة العلمية في التحفيز وحل النزاعات داخل المؤسسات الاجتماعية وجعلها قادرة على مواكبة التطور العصر والتغير الاجتماعي المتسارع، فأصبح مفهوم التنمية الاجتماعية رهين بإندماج الفرد في محيطه والتأقلم معه، ولا يتأتى هذا إلا بمقاربة نفسية واجتماعية.
ومن أجل فهم دور علم النفس الاجتماعي في الواقع الاجتماعي من خلال تحليل المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، نلاحظ الاهتمام بالجانب التقني والمالي مع إغفال الجانب النفسي والاجتماعي للموارد البشرية، مما يترتب عنه غياب التحفيز والابتكار وسيادة النظام الآلي حتى على المستوى الإنساني، باعتبار أن الفرد داخل المنظمة مجرد وسيلة للإنتاج بدون مراعاة مستوى تفاعله الوجداني ومشاركته في القرار وغياب رابطة الانتماء للمؤسسة ،فيصبح العمل بالنسبة له مجرد وسيلة لكسب قوته اليومي وتحقيق حاجته الفسيولوجيا فحسب، فتنعدم فيه روح المبادرة والابتكار والنجاعة في العمل
إن الإنسان يمتاز بخاصية التدرج في الاكتمال، فهو يسعى دوما في تحسين واقعه الاجتماعي، ولتحقيق ذاته يجب أن توفر له بيئة سليمة تراعي تكوينه النفسي والاجتماعي من أجل استخراج الطاقة الكاملة فيه، حيث لا يتحقق ذلك إلا من خلال المواكبة النفسية والاجتماعية.
كما أن التطور المعرفي والتقني وانتشار قنوات التواصل الاجتماعي بشكل متسارع أصبح يهدد الفرد داخل مجتمعه ويشكل له صراع فكري ينعكس على مستواه الوجداني والسلوكي بسبب ثقافة مختلفة على قيم ومعايير مجتمعه، و هذا يجعله يتخبط في واقع بدون بوصلة توجيهية.
لهذا أصبح من الضروري الاهتمام بعلم النفس، و إعطائه الأولوية في جميع برامج الدولة التنموية وفتح قنوات التواصل بين جميع مؤسسات المجتمع والجامعة، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لأنه ليس ترف فكري بل علم محوري في خلق الإبداع والابتكار وتحقيق الانتماء من خلال تماسك جميع الروابط الإنسانية داخل المجتمع، خصوصا رابطة المواطنة بين الفرد والدولة، والعمل في إطار مؤسساتي يتوخى تحقيق العدالة الاجتماعية وفق معايير علمية تجعل من الفرد أساس التنمية
مما سبق نستخلص أن التنمية البشرية رهينة في فهم الفرد وكيفية تفكيره و تفاعله مع واقعه، ذلك أن تحقيقها رهين بتكوين الفرد على جميع المستويات، التقني والفكري والنفسي والاجتماعي، لإعطائه آليات اشتغاله داخل محيطه الاجتماعي لاستثمار المعرفة العلمية في البحث، واستغلال الموارد الطبيعية بشكل معقلن، خصوصا في واقع إجتماعي يعرف تغيرات مستمرة بسبب أزمات صحية وكوارث طبيعية وحروب تفرض على الفرد المقاومة وسرعة التأقلم مع المستجدات المتسارعة.