صراع الطبقة الكادحة فيما بينها بقلم عادل رمز 

 


إن مفهوم الصراع في علم الاجتماع مرتبط بالصراع الطبقي بين طبقة تملك وسائل الإنتاج ورأس المال، و طبقة كادحة لا تملك شيئا، بحيث أن الأولى تسيطر على الثانية، وتسلبها حقوقها وتستخدمها كأداة إنتاج لزيادة أرباحها حسب عالم الاجتماع كارل ماركس،  وهذا الأخير يعرف جدلية تاريخية تنبأ  باسترجاع الطبقة العاملة حقوقها المسلوبة، وهو صراع مادي أساسه عامل اقتصادي، كما يمكن أن يعرف هذا الصراع عوامل أخرى،  كالعامل الاجتماعي والثقافي، كما حدده عالم الاجتماع بوردي، ونستخلص من هذا أن الصراع سببه طبقة مسيطرة اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وطبقة مغلوبة على أمرها ومسيطر عليها.


و في هذا المقال سوف أتطرق إلى صراع الطبقة الكادحة فيما بينها، ومن فهم هدا الأخير، سوف أطرح عدة تساؤلات إشكالية لفهم أسباب هذا الصراع. 


إذا كان دافع الصراع الطبقي مرتبط بالسيطرة على وسائل الإنتاج والبحث على السلطة والمكانة الاجتماعية المتميزة داخل المجتمع، إذن فما هو دافع الصراع داخل الطبقة الكادحة فيما بينها ؟


من أجل الإجابة على هذا السؤال، سوف نعتمد على ملاحظة العلاقات الاجتماعية في الحياة اليومية.

في الواقع المعاش نلاحظ عدة سلوكيات تبدو أنها روتينية وعادية، ولكن بعد التدقيق والملاحظة العلمية نجد أنها تحمل طبيعة صراعية، فمثلا في مصنع صغير يوجد فيه عمال ينتمون إلى نفس الطبقة الكادحة، ولهم نفس المستوى الثقافي والاجتماعي، ورغم ذلك، نلاحظ مظاهر التسلط بعضهم  على بعض بغية التقرب من الإدارة والمسؤولين، وربح ودهم، وذلك بنقل أخبار زملائهم في العمل وعملهم كمخبرين خاصين لصاحب المصنع، فبمجرد أن يكلف صاحب المصنع أحدهم بالمسؤولية، وبدون مقابل تجد الشخص المكلف يغير سلوكياته تجاه زملائه في العمل بتسلطه وسيطرته عليهم.


لهذا، فالعمل النقابي لا يحقق الهدف الذي خلق من أجله، فمجرد تظاهر أحد العمال بالنضال من أجل مصلحة العمال، واسترجاع حقوقهم كان الهدف الخفي من ذلك هو البحث على مسؤولية وهمية، بحيث يتباهى بقربه من الإدارة والمسؤولين،  وأن كلامه مسموع، و أن له حرية داخل عمله...إنه تفاضل وهمي لا معنى له، لأنه ناتج عن استغلال زملائه وخيانته، وليس ناتج عن صراع مع صاحب المصنع من أجل حماية حقوق العمال.


كما أن العلاقات الاجتماعية بين الطبقة الكادحة يسود عليها إحتقار مهنة بعضهم البعض، فمثلا عامل نظافة يستهزئ من مهنة الأمن الخاص والعكس صحيح.


كما يمكن أن نلاحظ هذا الصراع حتى في المناسبات الدينية، فمثلا شراء الأضحية مرتبط بصراع خفي يتمثل في التفاخر والتباهي، و أنه يتميز على الشريحة التي ينتمي إليها بأن له القدرة على شراء أضحية بثمن مرتفع. 


أن هذا الصراع تتعدد صوره في المجتمع في كل المرافق المشتركة، فمثلا عند ركوب الحافلة، نجد صراع من أجل الجلوس في الكراسي والتدافع واستعمال القوة.


إن حافلة النقل العمومي تعرف جميع التفاعلات الإجتماعية في داخلها كما أنها وسيلة مفيدة لبعض شرائح الطبقة الكادحة لممارسة عدة مهن هامشية في المجتمع الأكبر، مثل التجارة الغير المهيكلة والسرقة والتسول والنصب، زيادة على كونها مجالا للتعارف وخلق علاقات اجتماعية و تفريغ الكبت النفسي لهذه الطبقة  من ضغوطات الحياة .


إن هذه التركيبة تجعل من الحافلة ليست وسيلة نقل فحسب بل هي وسيلة إقتصادية، إجتماعية، نفسية، ومنه  فهي مقاولة متنقلة بامتياز.


من أجل فهم هذه السلوكيات بشكل معمق، سوف نأخذ حافلة النقل العمومي كمجال للملاحظة، وذلك لعدة إعتبارات موضوعية باعتبارها مكان تجمع فئة مختلفة من شرائح المجتمع، ومجالا لتوفير التفاعلات التواصلية المباشرة لهذه الشرائح وخصوصا الطبقة الكادحة بسبب أنها الوسيلة الأساسية للنقل العمومي نظرا لقلة تكلفتها، لهدا فهي تعتبر مجتمع مصغر للمجتمع الكبير.


وبكوني أشتغل كمراقب داخل الحافلة، مما وفر إلي إستعمال الملاحظة بالمشاركة وهي تقنية تساهم في فهم السلوكيات التفاعلية بعمق.


و انطلاقا من خلفية تتمثل في النظرية التفاعلية الرمزية التي تنطلق من الفعل الاجتماعي وكيفية تأويله من طرف مجموعة الدراسة أي زبناء حافلات النقل العمومي معتمدين في جمع المعلومات على شبكة الملاحظة من أجل تحليل السلوك وتفسيره، زيادة على تقنية المقابلة الكيفية بغية فهم عمق الفعل الاجتماعي داخل هذا المجال التفاعلي.


لهدا نجد المتسولين ينظمون أوقات عملهم فيما بينهم كما يقومون بتقسيم أماكن اشتغالهم داخل الحافلة ولكل واحد المنطقة الخاصة به ولا يجوز لأحد الاقتراب منها.


مع إستعمال الخطاب الديني والعاطفي من أجل التأثير على الزبناء بطرق فنية وتمثيلية فائقة الإتقان، وذلك بتغيير ملامح الوجه وإيمائات جسدية إحترافية.


وعندما يصعد مراقب الحافلة من أجل إرغام المخالفين من أجل تأدية ثمن تذكرتهم وتطبيق القانون، يتعرض المراقب للعنف بجميع أنواعه اللفظي والجسدي من طرف الركاب بدعوى أنه لا يرحم (وخاصو غمض عينيه)


وفي وقت الذروة وامتلاء الحافلة تظهر مظاهر أخرى ترتبط بالسرقة والتحرش الجنسي والاحتكاك بين الجنسين، مع تعاطفهم مع المخالفين وفي بعض الأحيان تأدية ثمن المخالفة عوضا عنهم


وفي داخل هذا التفاعل المركب لكل فئة هدفها الخاص داخل الحافلة نجد أشخاص يرفضون تأدية ثمن تذكرتهم بدعوى أن ليس لهم نقود.


إن هذه السلوكيات تبدو روتينية وعادية، ولكن تحمل في طياتها معاني ودلالات اجتماعية ونفسية متعددة ناتجة بالضرورة على الاكراهات الممارس على هذه الطبقة، بحيث أصبحت تشكل تصور دهني مشترك فيما بينها، ولكن بشكل خفي فهي تقمع، وتحتقر وتسرق وتنصب بعضها البعض، وفي نفس الوقت تتعاطف وتتعاون وتتبادل المعاناة فيما بينها وتتعامل مع القانون وقرارته بشكل ضمني أنه يستهدفها، بحيت أن الفعل العاطفي هو أساس تفاعلها واستمرارها رغم أن العصر يفرد عليها فهم الفعل العقلي تبقى غير قادرة على استيعابه والاندماج معه ،


إن هذه السلوكيات تعبر على إستقرار طباع الثقافة القروية والتضامن الآلي كيفما تطرق إليها دوركايم، ودور الجماعة في غرس قيمها وتماسكها وتداخل الأدوار فيما بينها.


تبقى هذه القيم ثابتة رغم تغير المجتمع واتجاهه نحو الفردانية وتقسيم العمل والأدوار.

 

إن هذه السلوكيات ناتجة بالضرورة في عدم فهم مفهوم الدولة وطبيعة القوانين، و غايته فلسفية في تنظيم المجتمع أي عدم فهم فلسفته القيمية.


إن التخوف من تطبيق القانون والاعتراض والتحايل في تطبيقه سببه صراع قيمي بين تنشئة اجتماعية تقليدية يسود فيها الفعل التقليدي العاطفي وبين عصر حديث يسود فيه الفعل العقلي .


لهذا علاقة المواطن بالدولة يجب أن تكون مبنية على فلسفة قيمية بكون أن تطبيق القانون هدفه هو خدمة الفرد والدفاع على حقوقه وفق منظومة اجتماعية متماسكة